نشرت صحيفة The Washington Post الأميركية تقريراً تحدثت فيه عن فصل جديد يضاف الى الصداقة التاريخية التي تجمع بين بيونغ يانغ وموسكو، والتي غالباً ما كانت متوترة، مشيرة الى أن اجتماع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أحدث تحوُّلاً استثنائياً مثيراً للإهتمام في السعي الدبلوماسي العالمي إلى حل الأزمة النووية مع كوريا الشمالية، التي بدا أنها وصلت إلى طريقٍ مسدود بعد فشل القمة الأخيرة بين كيم والرئيس الأميركي دونالد ترامب في شباط 2019.
وعرضت الصحيفة أهم النقاط في العلاقات بين الجانبين منذ الحرب الكورية التي استمرت من عام 1950 إلى عام 1953.
الصراع الكوري
شارك الاتحاد السوفييتي القديم مشاركةً مباشرة في تأسيس كوريا الشمالية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، التي أنهت الحكم الاستعماري الياباني لشبه الجزيرة الكورية، لكنَّها أسفرت عن انقسام بين الشمال الذي كان الإتحاد السوفييتي يدعمه والجنوب الذي كانت الولايات المتحدة تسيطر عليه.
إذ نصَّب بعض الضباط السوفييت آنذاك القائد الشاب الطموح كيم إيل سونغ، جد الزعيم الحالي لكوريا الشمالية وقائد حرب الشوارع السابق الذي قاتل القوات اليابانية في منشوريا بثلاثينيات القرن الماضي، زعيماً كوريّاً للدولة الناشئة في النصف الشمالي من شبه الجزيرة الكورية. وبحلول أوائل عام 1950، نجح كيم إيل سونغ في إقناع الزعيم السوفييتي الراحل جوزيف ستالين، الذي كان متردداً في البداية، بالسماح له بتوحيد الكوريتين بالقوة، وهو ما يضمن انتصاراً سريعاً.
وبالفعل، شنَّت قوات كيم إيل سونغ هجوماً مفاجئاً على الجنوب في شهر حزيران من العام نفسه،؛ وهو ما أدى إلى حربٍ مدمرة أسفرت عن تدخُّلاتٍ مكثفة من جانب الولايات المتحدة والصين، وخلَّفت ملايين من القتلى أو الجرحى قبل أن تتوقف بهدنةٍ في عام 1953.
وقد دعم السوفييت كوريا الشمالية في أثناء الحرب، بالأسلحة والمستشارين العسكريين والطيارين، لكنَّهم ظلوا بعيدين عن المشاركة في الحرب البرية، وهو القرار الذي شكَّل جهود كيم إيل سونغ في فترة ما بعد الحرب، لتعزيز سلطته الشخصية واستقلاله. وأصبح دعم موسكو أقل أهميةً لسيطرة كيم الداخلية حين كان بإمكانه الاعتماد على الصين في مواجهة نفوذ السوفييت، لا سيما بعد أواخر الخمسينيات عندما تزايد العداء في العلاقات بين القوتين الشيوعيتين الرئيسيتين: الاتحاد السوفييتي والصين، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ومع تقليبه موسكو وبكين إحداهما على الأخرى، لكسب مزيد من الاستقلال السياسي والمساعدة، عزَّز كيم إيل سونغ سلطته المحلية بالتخلُّص العنيف من خصومه المؤيدين للسوفييت والمؤيدين للصين.
انهيار الاتحاد السوفييتي
رغم الازدهارات والتدهورات التي شهدتها العلاقات الثنائية، كانت المساعدات العسكرية والغذائية ومساعدات الطاقة السوفييتية حاسمةً في منع انهيار اقتصاد كوريا الشمالية المتعثر طوال عقود. بيد أنَّ كل ذلك تغيَّر في عام 1991 مع انهيار الاتحاد السوفييتي، الذي سرعان ما حرم بيونغ يانغ من راعيها الاقتصادي والأمني الرئيسي.
إذ اعتبرت حكومة ما بعد الشيوعية في موسكو، بقيادة الرئيس بوريس يلتسن، روسيا شريكاً للغرب الذي تقوده الولايات المتحدة، ولم تكن لديها حماسة لمواصلة دعم كوريا الشمالية بالمساعدات والتجارة المدعومة. وفي الوقت نفسه، أقامت موسكو علاقاتٍ دبلوماسية رسمية مع كوريا الجنوبية؛ أملاً في جذب استثماراتٍ كورية جنوبية ضخمة، وأنهت تحالفها العسكري مع كوريا الشمالية والذي كان موجوداً في الحقبة السوفييتية. ومن ثَمَّ، كانت هناك تنبؤات واسعة النطاق بأنَّ انهيار حكومة كوريا الشمالية بات وشيكاً.
لذا ردَّت كوريا الشمالية، التي كانت تواجه أزمةً وجودية، بقبول مزيد من المساعدة من الصين، التي رغم عدم الثقة المتبادلة، تظل الحليف الرئيسي الوحيد لبيونغ يانغ وتَعتبر منع انهيار كوريا الشمالية أمراً مهماً للغاية لمصالحها الأمنية. وكذلك أصبحت كوريا الشمالية أكثر صراحةً في سعيها إلى امتلاك سلاح ردعٍ نووي، وهو ما أجبر الولايات المتحدة على الجلوس على طاولة المفاوضات.
وفي عام 1994، بعد وفاة كيم إيل سونغ بمدةٍ قصيرة، توصَّلت كوريا الشمالية إلى اتفاقٍ كبير مع الولايات المتحدة لوقف إنتاج البلوتونيوم مقابل الحصول على مساعدات الطاقة والمساعدات الغذائية وضمانات أمنية. بيد أنَّ الاتفاق انهار عام 2002، بعدما واجه المسؤولون الأميركيون بيونغ يانغ بشأن برنامجٍ نووي سري لديها يستخدم اليورانيوم المخصب، بحسب الصحيفة الأميركية.
بوتين في بيونغ يانغ
بدأت روسيا إعادة النظر في سياساتها تجاه الكوريتين في أواخر التسعينيات، بسبب ما اعتبرته نشاطاً تجارياً مخيباً للآمال مع كوريا الجنوبية، ومخاوف من أن يكون ميل موسكو الشديد نحو كوريا الجنوبية قد قلَّل من نفوذها في الجهود الدولية المتعلقة بالتعامل مع بيونغ يانغ. وفي هذه الأثناء، أصبح الاختلاف بين موسكو والغرب حول القضايا الأمنية الرئيسية واضحاً كذلك.
وبعد انتخاب بوتين رئيساً لأول مرة في عام 2000، سعى بقوةٍ إلى استعادة علاقات روسيا مع كوريا الشمالية، إذ زار بيونغ يانغ في تموز من العام نفسه، لعقد اجتماع مع كيم جونغ إيل، حفيد كيم إيل سونغ ووالد الزعيم الحالي، حيث وجَّها انتقاداتٍ لخططٍ متعلقة بالدفاع الصاروخي الأمريكي. وقد اعتُبِرَت هذه الزيارة رسالةً من بوتين إلى الغرب، مفادها أنَّ روسيا ستسعى إلى استعادة نطاقات نفوذها التقليدية. ثم استضاف بوتين، كيم جونغ إيل في زيارتين عامي 2001 و2002.
وشاركت روسيا كذلك فيما يُسمَّى المحادثات السداسية مع كوريا الشمالية، والتي كانت تهدف إلى إقناع كوريا الشمالية بالتخلِّي عن برنامجها النووي مقابل فوائد أمنية واقتصادية. لكنَّ تلك المحادثات التي شاركت فيها الولايات المتحدة والصين وكوريا الجنوبية واليابان توقَّفت منذ كانون الأول من عام 2008، بحسب الصحيفة الأمريكية.
طريقة كيم الجديدة
يُعتبر لقاء كيم جونغ أون مع بوتين هو أول قمة بين الدولتين منذ أن سافر والده، كيم جونغ إيل، إلى شرق سيبيريا في آب 2011، لعقد اجتماعٍ مع الرئيس الروسي آنذاك ديمتري ميدفيديف.
ثم توفي كيم جونغ إيل في كانون الأول من العام نفسه. وفي عهد كيم جونغ أون، سرَّعت كوريا الشمالية وتيرة تجارب الأسلحة، لتحويل برنامجٍ نووي أوَّلي إلى ترسانة نشطة تشمل أسلحةً نووية حرارية وصواريخ بعيدة المدى قادرة على الوصول إلى البر الرئيسي للولايات المتحدة، على حد زعم المسؤولين الكوريين الشماليين.
وفي السياق نفسه، فشلت القمة الثنائية بين ترامب وكيم، التي عُقِدت بفيتنام في شباط 2019، بعدما طلبت كوريا الشمالية إلغاء معظم العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على البلاد مقابل تنازلٍ جزئي عن برنامجها النووي. ويُذكَر أنَّ كيم قال إنَّه سيبحث عن «طريقة جديدة» إذا واصلت الولايات المتحدة اختبار صبره على العقوبات.
وبحسب الصحيفة، يمكن أن يكون تواصل كيم مع بوتين جزءاً من خططه الهادفة إلى توسيع خياراته، والحصول على حلفاء يمكن أن يمارسوا ضغوطاً على واشنطن لتخفيف موقفها من العقوبات. وتبدو روسيا حالياً في وضعٍ أفضل لتأييد موقف كيم من الصين، التي تخوض مفاوضات تجارية كبيرة مع الولايات المتحدة.
وعلى الجانب الآخر، تشير الصحيفة الى انه "يمكن أن تخدم القمة مع كيم رغبة بوتين في زيادة نفوذ روسيا الإقليمي. صحيحٌ أنَّ موسكو لم تدعم امتلاك كوريا الشمالية أسلحةً نووية قط، لكنَّها ربما تشاطرها الرأي في أنَّ ضعف النفوذ الأمريكي في المنطقة سيفيد الطرفين".