مرة واحدة فقط هي عدد المرات التي اتخذ فيها الرئيس الاميركي دونالد ترامب قراراً حكيماً خلال توليه رئاسته، بحسب ما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، وهي عندما قرر التوقف في اللحظة الأخيرة عن ضرب إيران.
ويشير روجر كوهين، في مقاله، إلى أن "الرئيس تعامل مع الموضوع الإيراني بطريقة فوضوية، وهذا ما يحدث عندما تواجه قضية جدية، وتحولها إلى مهزلة وتعتقد أن التبجح سيدفع أمة تفتخر بنفسها وحضارتها القديمة للخنوع، والتعامل مع السياسة الخارجية مثل صفقة عقارات، والاستماع لمن يعانون من مرض إيران، ورفض قراءة التقارير الأمنية، وخلط المصالح الأميركية بمصالح كل من السعودية وإسرائيل".
ويجد الكاتب أنه "من هنا فإن حقيقة سير أميركا المتردد نحو المواجهة هو مخجل من خلال قلب الحقائق أو الكذب الصريح، وقرر ترامب ضرب إيران انتقاما لإسقاطها طائرة مسيرة ليتراجع عن قراره، وكان إسقاط الطائرة هو ذروة الاندفاع الذي سمح به الرئيس".
ويرى كوهين أن "قرار اللحظة الأخيرة هو أكثر قرارات الرئيس حكمة بشأن إيران منذ وصوله إلى البيت الأبيض، فقد جعل الجمهورية الإسلامية مركز وهدف التصويب منذ وصوله إلى البيت الأبيض، وقد انبهر بالتملق والتبجيل السعودي والإسرائيلي له، ورأى أن هناك فرصة لتمزيق اتفاقية باراك أوباما التي حققها عبر الدبلوماسية وتأمين صوت الإنجيليين المسيحيين، ولهذا لم يعبأ بأي تقييم جدي حول كيفية موازنة الشدة والحوار في العلاقة الإشكالية بين أميركا وإيران".
ويقول الكاتب إن "الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى حرب يحرص كل من مستشار الأمن القومي جون بولتون، ووزير الخارجية مايك بومبيو على شنها، فهي إن حصلت فستكون حربا بالاختيار، وقائمة على الوهم، وغير مسؤولة، وستضع أميركا في مرمى الخطر في الشرق الأوسط دون أن تكون لها منافع للولايات المتحدة أو حلفائها".
ويعلق الكاتب قائلاً: "إن الإدارة كانت محظوظة، لكنها في الأزمة الحقيقية التي صنعتها بنفسها تعرت الفروسية السخيفة، وظهر غياب العملية السياسية على حقيقته وبدا واضحا للعيان، فالتهديد والتبجح لا يقودان إلى شيء، ولهذا اعتبرت إيران ترامب مخادعا".
ويذكر كوهين بما كتبه العام الماضي، معلقا على قرار ترامب تمزيق اتفاقية وقعتها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين مع إيران، والتي تم طبخها بهدوء على مدى سنين، قائلا: "قرر ترامب سحب الولايات المتحدة من المعاهدة النووية التي نجحت (في الحد من نشاط إيران) بسبب مطالب لا علاقة لها بها، ولا يمكن تحقيقها، وبثمن باهظ للتحالفات الأميركية وقيمة كلمتها، ودون سياسة بديلة قابلة للتطبيق، وتزيد مخاطر إشعال الشرق الأوسط".
ويعلق الكاتب قائلاً: "ها نحن قد وصلنا إلى لحظة اشتعال الفتيل، فعلى مدى العام الماضي هدد بولتون بعمل عسكري أكثر من مرة، مخبرا إيران أنها (ستدفع الثمن الباهظ)، مصعدا التوتر في أي مناسبة يجدها أمامه، وباحثا عن مبررات للحرب".
ويلفت كوهين إلى أن "بومبيو كان الراقص الشريك المستعد في هذا التمرين، فقد أصر على منع إيران من تصدير نفطها ولمستوى (صفر)، وتبنى أهدافا متنافرة خلطت بين إيران الشيعية وتنظيم القاعدة، الذي يعبر عن وهابية سنية متطرفة وقاتلة، وأخبرني وزير الخارجية السابق جون كيري، أن إيران أسهمت في مكافحة تنظيم الدولة".
ويعتقد الكاتب أن "هدف بولتون- بومبيو من مساواة إيران بتنظيم القاعدة واضح: هو الحصول على تفويض للحرب عليها بناء على قانون صلاحية استخدام القوة العسكرية، الذي مرره الكونغرس في مرحلة ما بعد 11/ 9 لمحاربة إرهاب تنظيم القاعدة، الذي كان عدد السعوديين الذين شاركوا فيه هم الغالبية. إن البحث عن مبرر للحرب بهذه الطريقة هو أمر فاضح وفيه ازدراء للحقيقة؟".
ويقول كوهين: "لا أحدا يعرف أين تكمن الحقيقة بين المزاعم والمزاعم المضادة، خاصة في إسقاط الطائرة المسيرة (آركيو- 4 غلوبال هوك) والتفجيرات لناقلتي النفط في خليج عمان، صحيح أن إيران تصرفت بطريقة استفزازية لكنها استفزت أيضا، فهي لم تكن لتتجاهل نشر 2500 جندي وحاملة طائرات ومقاتلات (بي-52) وأنظمة باتريوت، وقالت إنها لا تريد الحرب ولن تقبل الإهانة أيضا".
وينقل الكاتب عن كيري، قوله: "سياسة إدارة ترامب ليست ضرورية وخطيرة من الناحية الاستراتيجية.. وأثرت على شرعية التعامل مع موضوعات بعينها، مثل اليمن وحزب الله وتكنولوجيا الصواريخ"، والخروج من اتفاقية نووية شفافة وصارمة، وأضاف: "كل ما فعلوه هو أنهم أحيوا المعتقد الإيراني الراسخ، وهو أنه لا يمكنك الثقة أو التفاوض مع الولايات المتحدة في الوقت الذي تقوم فيه بالضغط على الاقتصاد الإيراني، وتبحث عن تغيير للنظام الذي سينقل السلطة إلى يد المتشددين والحرس الثوري، وليس للديمقراطيين".
ويؤكد كوهين أن "الجمهورية الإسلامية نظام قمعي ذو سجل بشع في مجال حقوق الإنسان، وتدعم حزب الله، وتدعم مصالح تتناقض مع مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهي عدو للولايات المتحدة منذ عام 1979، لكن لديها مجتمع متقدم، ولها اقتصاد مهم، وشعب متعلم يرغب في التواصل مع الغرب، ونظامها السياسي ليس جامدا، وكان الدافع وراء الاتفاقية النووية، التي لم تكن تامة وكانت نتاجا لدبلوماسية صعبة، هو تقوية القوى المعتدلة في إيران، ولهذا كان تمزيق ترامب الاتفاقية هدية للمتشددين، وقالت إيران إنها ستتوقف عن الالتزام بالحد المسموح به لتخصيب اليورانيوم، فهل هذا جيد للولايات المتحدة وإسرائيل؟".
ويرى الكاتب أن "سوء تقدير الولايات المتحدة كان صارخا، وقال كيري: (من الواضح أن سي آي إيه لم تكن قادرة على اختراق عقل ترامب وتقديم صورة نفسية عن الرجال الذين يتعامل معهم، والإيرانيون موجودون منذ آلاف السنين، ولن يؤدي هذا الأمر إلا إلى تقوية عزيمتهم على البقاء).
ويقول كوهين: "ترامب الاستعراضي وضع نفسه في مأزق من خلال التفاخر والكذب، ومزق الاتفاقية النووية ليقول لاحقا إن هدفه هو منع إيران من الحصول على القنبلة النووية، وهو ما حققته الاتفاقية، فهو بلطجي، وكل ما يهمه هو التمسك بالسلطة، والحفاظ على إمبراطوريته المالية، وهذه النزعات تتجاذب في الاتجاهات المضادة كلها وتخلق الفوضى".
ويورد الكاتب نقلا عن مدير استراتيجيات البيت الأبيض السابق ستيفن بانون، قوله: "لا أعتقد أن أيا من أنصار ترامب يدعم عملا عسكريا جديدا في الشرق الأوسط في الوقت الحالي، بالإضافة إلى أن موقفه لا يدعم التدخل العسكري، ولم أكن أعتقد أنه سيسير في هذا الطريق، ولست محبا لهذا التوجه، وبالنسبة لقاعدة ترامب فإن الحرب تضر".
ويختم كوهين مقاله بالإشارة إلى قول تالييران، وهو أكبر دبلوماسيي نابليون: "الأسوأ من الجريمة هو الخطأ"، قائلا إنه "يجب في هذه الحالة ألا يتحرك ترامب من غضبه الذي يعد زاده اليومي إلى خطأ كارثي في مسائل الحرب والسلام".