بدأت الحكومة السورية، اليوم الأحد، العمل بسعر جديد لمادتي الخبز والمازوت، بعد رفع ثمنهما مرة جديدة تزامنا مع قرار رئاسي برفع الحد الأدنى للأجور، وسط أزمة اقتصادية خانقة متسارعة تثقل كاهل المواطنين في بلد يشهد نزاعا داميا منذ أكثر من عشر سنوات.
وهي ليست المرة الأولى التي ترفع فيها الحكومة السورية سعر المازوت أو الخبز منذ 2011، تاريخ بدء النزاع، وسط أزمة اقتصادية فاقمها مؤخرا الانهيار الاقتصادي في لبنان المجاور، حيث يودع سوريون كثر، خصوصا رجال أعمال، أموالهم.
وأعلنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، في وقت متأخر ليل السبت، أنها عدلت سعر لتر المازوت ليصبح 500 ليرة سورية بعدما كان محددا بـ180 ليرة لمعظم القطاعات، و135 ليرة للأفران، أي بزيادة تجاوزت 170 في المئة، كما ضاعفت الوزارة سعر ربطة الخبز لتصبح مئتي ليرة سورية مقارنة بمئة ليرة سابقا.
وخلال سنوات الحرب، زادت الحكومة السورية مرات عدة أسعار مواد أساسية أبرزها الوقود. ورفعت الأسبوع الماضي سعر البنزين غير المدعوم بنسبة 25 في المئة، بعدما كانت رفعت في آذار/مارس سعر البنزين المدعوم وغير المدعوم بأكثر من 50 في المئة، ويفاقم رفع الأسعار معاناة السوريين الذين ينتظرون في طوابير طويلة للحصول على البنزين المدعوم، ويشكون من الغلاء واستمرار ارتفاع الأسعار.
ويعيش غالبية السوريين اليوم تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة. ويعاني 12,4 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، بحسب برنامج الأغذية العالمي.
وتفاقمت في الأسابيع الماضية مشكلة انقطاع الكهرباء، جراء نقص الغاز المغذي لمحطات توليد الطاقة الكهربائية، بحسب مسؤولين سوريين، ووصلت ساعات التقنين في عدد من المناطق إلى نحو عشرين ساعة يوميا، ومن شأن رفع سعر المازوت اليوم أن ينعكس على قطاعات عدة بينها الزراعة والصناعة التي تعتمد بشكل أساسي على مادة المازوت لتشغيل مولداتها في ظل تقنين قاس للتيار الكهربائي.
كما تعتمد وسائل النقل العام في سوريا على المازوت بشكل رئيسي. ورجحت صحيفة ”الوطن“ المقربة من الحكومة، أن ترتفع تسعيرة وسائل النقل العام بأكثر من 25 في المئة. وقدرت أن ترتفع كلفة التدفئة المنزلية بنسبة 178 في المئة.
ومؤخرا أصدر الرئيس بشار الأسد قرارا يقضي بزيادة رواتب العاملين المدنيين والعسكريين في الدولة بنسبة 50 في المئة، ورفع الحد الأدنى العام للأجور والحد الأدنى لأجور المهن لعمال القطاع الخاص ليصبح 71515 ليرة سورية (28,4 دولار وفق سعر الصرف الرسمي) مقارنة مع 47 ألف ليرة (18,7 دولار) في السابق، كما أصدر الأسد مرسوما يقضي بزيادة الرواتب التقاعدية بنسبة 40 في المئة.
زيادة مستمرة
وعزا معاون مدير عام الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية مصطفى حصوية، زيادة الأسعار إلى ارتفاع أسعار النفط عالميا، والعقوبات الغربية المفروضة على دمشق، وقال، وفق ما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، إن ”ثمانين في المئة من احتياجات سوريا من المشتقات النفطية يتم تأمينها بالقطع الأجنبي عن طريق الاستيراد، كان لا بد من رفع الأسعار حتى يتم تقليص فاتورة الاستيراد وتأمين السيولة اللازمة لاستمرار توريد المشتقات النفطية“.
وتحمل السلطات السورية باستمرار العقوبات التي تفرضها عليها الدول الغربية، مسؤولية التدهور الاقتصادي في البلاد. إلا أن الرئيس السوري بشار الأسد قال في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ”إن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة منذ نحو عامين ليست مرتبطة بالحصار، في إشارة إلى العقوبات، بل جوهر المشكلة اليوم هو الأموال التي أخذها السوريون وأودعوها في لبنان، وعندما أغلقت المصارف في لبنان دفعنا الثمن“.
ويعاني لبنان من أزمة اقتصادية غير مسبوقة، منذ نحو عامين. وتوجد قيود كبيرة على سحب الأموال من الحسابات المصرفية، لا سيما بالدولار، وخسرت الليرة أكثر من تسعين في المئة من قيمتها. وزادت الحكومة اللبنانية قبل نحو أسبوعين أسعار المحروقات بنسبة تجاوزت ثلاثين في المئة.
ويردّ مسؤولون لبنانيون أزمة المحروقات في جزء منها إلى عمليات تهريبه إلى سوريا؛ نظرا إلى الفرق في الأسعار. وتعلن الأجهزة الأمنية اللبنانية بانتظام توقيف مهربين ينقلون البنزين والغاز عبر الحدود.
وقال محلل اقتصادي فضل عدم الكشف عن اسمه، إن الدولة السورية ”تستعين بالتجار لجلب المحروقات عبر طرق طويلة في محاولة للالتفاف على العقوبات“، مضيفا: ”هذا الطريق الطويل يعبر دولا عدة أبرزها لبنان، والأمر مكلف للغاية، في ما مضى، كان النفط السوري أهم مورد لخزينة الدولة، لكن اليوم المعادلة واضحة للغاية، طالما لا يوجد دخل للخزينة فإن زيادة الأسعار مستمرة ولن يتوقف الأمر هنا“.
ومنذ بدء النزاع، مُني قطاع النفط والغاز في سوريا بخسائر كبرى تقدّر بـ91,5 مليار دولار جراء المعارك وتراجع الإنتاج، مع فقدان الحكومة السيطرة على حقول كبرى، فضلا عن العقوبات الاقتصادية.