تحت عنوان: "بعد خفض التصنيف وطائرتي الضاحية: ماذا ينتظر اقتصادنا المأزوم؟"، كتب خضر حسان في "المدن": لا يكاد الاقتصاد اللبناني يخرج من مؤشر سلبي ليدخل في آخر. وكأن الأمر مقصود أو مبرمَج وفق أجندة معدة سلفاً، تمنع البلاد من استنشاق بعض الهواء المنعش وأخذ استراحة. المؤكد أن لا أياديَ خفية تقف وراء المؤشرات السلبية، فلا مكان للغيبيات في علم الاقتصاد، بل للمعادلات العلمية التي تحكم اقتصادات العالم. وعليه، فإن زرع الطبقة السياسية لبذور الفساد في كافة المجالات والقطاعات، منذ مطلع التسعينيات، أثمر هذا الكم من التراجعات والإخفاقات التي لم تعد الطبقة السياسية قادرة على لجمها. وإلى جانب زرع الطبقة السياسية، تساهم المفاجآت الأمنية الموسمية في زيادة عدد المؤشرات السلبية التي يحصدها الاقتصاد.
ما إن أعلنت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني خفض تصنيفها للبنان إلى معدل CCC، وتخفيض وكالة موديز تصنيفها إلى معدل C، يوم الجمعة 23 آب، حتى دخل الاقتصاد اللبناني مرحلة اللاعودة في مسألة ضرورة إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية، لا تقف عند إقرار موازنة العام 2019 والتحضير لموازنة العام 2020، فذلك يُعد قشوراً إصلاحية. أما تغنّي وزارة المالية بإبقاء وكالة ستاندرد أند بورز تصنيفها للبنان عند معدل B-، فهو في أحسن الأحوال، يمكن التغاضي عنه إذا ما اعتبرنا أن الوزارة تعزّي نفسها بشيء من الإيجابية مقابل نتائج وكالتي فيتش وموديز.
وبالتوازي، سجّل تقرير لبنك عودة "انخفاض القيمة الإجمالية لشيكات المقاصة، وهي مؤشر على الإنفاق والاستثمار في الاقتصاد اللبناني، بنسبة 15.8 في المئة على أساس سنوي في الأشهر السبعة الأولى من عام 2019. وبلغت قيمة الشيكات 32.560 مليون دولار في الأشهر السبعة الأولى من عام 2019، مقابل 38.673 مليون دولار في الفترة ذاتها من عام 2018". وهذه الأرقام هي نتيجة التباطؤ الاقتصادي المتزايد في كل القطاعات، وتحديداً على صعيد الاستثمارات الخاصة.
عودة الهدوء
تسليط الضوء على نتائج التصنيف الائتماني، لا ينحصر بمعرفة معدل التصنيف بحد ذاته، وكأن لبنان ينتظر نتائج امتحانات معينة ليخرج منها راسباً أو ناجحاً. وإنما يكبر الاهتمام بالنتائج، لأنها تعطي صورة عن العوامل السياسية والاقتصادية والمالية للبلاد، فضلاً عن مناخ الاستثمار والأعمال وحجم الفساد.. وما إلى ذلك. وبشكل رئيسي، يعطي التصنيف صورة عن مدى قدرة الدولة على سداد ديونها، وخاصة لحاملي سندات الخزينة.
وحسب الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة، فإن "العوامل التي استندت إليها وكالات التصنيف قبل الخروج بنتائجها، معظمها سيئة. والتصنيف أظهر أزمتنا في الاقتصاد والسياسة". ومع ذلك، يرى عجاقة في حديث لـ"المدن"، أن هذه النتائج بالنسبة لقدرة لبنان على السداد "هي أمر عابر، لأن أكثر من 60 في المئة من سندات الخزينة اللبنانية تحملها المصارف التجارية ومصرف لبنان، ومعظم الدين هو دين داخلي".
ورغم البلبلة التي ترافقت مع خفض التصنيف الذي امتزج مع أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار بصورة غير رسمية، "فإن الأسواق اللبنانية استوعبت ما حصل"، لكن الأصعب كان تعكير سقوط الطائرتين في الضاحية الجنوبية لبيروت، لهدوء الأسواق بعد عاصفة التصنيف وسعر الصرف. فحادثة الطائرتين "أدخلت عناصر جديدة زادت الضغوطات، فكل المستثمرين يخافون من احتمال حصول مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، وهذا ما يرفع نسبة المخاطر بعقود التأمين على سندات الخزينة".
يقلل عجاقة من تأثير تلك الأحداث على الاقتصاد بشكل عام، حتى وإن خلقت في مرحلة معينة جواً من عدم الارتياح، فتأثيراتها آنية "ولا قراءات سيئة لها. لكن من المؤكد أن على الحكومة تسريع خطواتها لخلق جو من الراحة في الأسواق، حتى وإن لم نكن على أبواب الانهيار".
ويتوقع عجاقة "هدوء التوترات وعودة نشاط المستثمرين لأن هناك إستحالة لحصول أي عمل عسكري إسرائيلي تجاه لبنان".