قال مصدر نيابي يتقاطع في معظم مواقفه مع “الثنائي الشيعي”، إن هناك جملة من الأسباب لا يمكن تجاهلها لتفسير إصرار رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل على مطالبته بمراجعة ورقة التفاهم، مع أن لا مصلحة له في إقحام نفسه في جردة حساب مع “حزب الله” الذي لديه الكثير مما يقوله في حال قرر الخروج عن صمته، وسيكون بمثابة مضبطة اتهام لباسيل.
ولفت إلى أن الحزب لا يبدي في مجالسه الخاصة انزعاجاً من باسيل، لكن يفضّل الاحتكام إلى رئيس عون طلباً لضبط إيقاعه السياسي إلى أن اكتشف أخيراً أن باسيل أخذ يتصرف بلا رادعة وكأنه الرئيس الظل، وهذا ما ظهر جلياً في تسخيره لإدارات الدولة لخدمة طموحاته الرئاسية، وقال إنه يمارس حالياً سياسة لا تخلو من ابتزاز حليفه بعد أن أيقن أن “العهد القوي” بدأ يتهاوى وأن فرص إنقاذه باتت مستحيلة.
ورأى المصدر النيابي أن “حزب الله” كان وراء توفير الغطاء السياسي، بدءاً بتأخير تشكيل الحكومات ما لم يصر إلى التجاوب مع شروط باسيل الذي عُيّن وزيراً رغم أنه رسب مرتين في الانتخابات النيابية بخلاف إصرار عون على عدم توزير من يخسر في الانتخابات قبل أن يتراجع إكراماً ومراعاة لصهره، وقال إن الحزب عطّل مراراً جلسات انتخاب رئيس الجمهورية إلى أن ضمن انتخاب عون رئيساً.
واعتبر أن باسيل بات مضطراً لاستخدام عضلاته السياسية بعد أن فقد الأمل بالاعتماد على عون لضمان مستقبله، وبات يخشى من أن تتجاوب معظم الأطراف وبدعم دولي مع شروط الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة سعد الحريري ما يفقده القدرة على إعادة تعويم نفسه، وبالتالي يريد أن يحشر “حزب الله” من دون أن يذهب إلى فرط تحالفه معه لعله يعيد له اعتباره السياسي حتى لو اضطر إلى أخذ البلد للهاوية ظناً منه بأنه سيؤمّن له الجلوس بين الكبار محلياً للبحث في مستقبل لبنان.
ناهيك أن باسيل – بحسب المصدر النيابي – يدرك جيداً أن لا مفر أمامه سوى أن يبقى في عداد الكبار المعنيين بمستقبل لبنان لعله يوقف تراجع تياره في الشارع المسيحي ومبادرة أبرز الرموز من الحرس القديم التي كانت وراء تأسيس التيار وانطلاقته إلى الانخراط في “الخط التاريخي”، وجميع هؤلاء لا يزالون موضع ثقة بداخل جمهور ومحازبي التيار الذين آثروا الصمود وفضّلوا مقاومة باسيل من الداخل.
فباسيل من وجهة نظر المصدر نفسه، يركض وراء التسويات ليس لإعادة الاعتبار إلى “التيار الوطني”، وإنما لتوفير الحماية لموقعه الشخصي، خصوصًا أن لومه للآخرين على خلفية إعاقتهم لمشروع الدولة لن يُصرف في مكان لأنه أصر على اختياره للوزراء الذين يدينون له بالولاء، إضافة إلى حصده للتعيينات في إدارات الدولة ومؤسساتها وفي المراكز الرئيسية في التيار على قاعدة إضعاف مناوئيه في الداخل لقطع الطريق على من ينافسه ليكون الوريث السياسي للرئيس عون.
كما أن باسيل بات يدرك عن سابق تصور وتصميم بأن خروجه من الحصار السياسي لن يكون إلا بالالتفات لحليفه “حزب الله” ولو من باب الابتزاز والتهويل تحسباً لقطع الطريق على دخوله في تسوية سياسية تدفع باتجاه تسريع ولادة الحكومة في حال أعيدت قنوات التواصل بين واشنطن وطهران التي قد تضطر للتدخل لدى حليفها لرفع الفيتو الذي يؤخر تشكيلها.
لذلك، فإن باسيل باستخدامه للشعارات البراقة وزجّها في إعادة مراجعة ورقة تفاهمه مع “حزب الله” يراهن على استعادة بعض ما فقده في الشارع المسيحي بعد أن تعذّر عليه استنهاضه بذريعة استرداد حق المسيحيين والحفاظ على الشراكة في تشكيل الحكومة، وبالتالي لم يعد لديه سوى هذه الورقة ليلعبها بعد أن أبدى انزعاجه من المبادرة التي طرحها رئيس المجلس النيابي نبيه بري مدعوماً من “حزب الله”.
وعليه، يخوض باسيل آخر معاركه السياسية للبقاء سياسياً على قيد الحياة وهو يراهن على القوة الضاربة لـ”حزب الله” لعله يوفر له الدعم بعد أن تعذّر على باريس من خلال المبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان إمكانية تسويقه، وفيما لم يعد له من حليف سوى “حزب الله” ما اضطره لأن يرفع صوته عالياً لإعادة تعويمه من دون أن يتورط في مغامرة تقود إلى فك تحالفه الذي سيرفع من منسوب عزلته السياسية.