نشرت "الوكالة الوطنية للإعهلام" تحقيقاً عن أزمة لنفايات لحلا ماضي، جاء فيه: غزو النفايات لشاطىء الزوق الاسبوع الماضي، كان مشهدا صادما ومشوها لواجهة لبنان، ومهما اختلفت الاراء السياسية والبيئية حول مصدرها، سواء كان من حوض نهر الكلب او من البلديات المجاورة، الا ان الثابت هو ان لبنان بلد يعاني من ازمة نفايات شوهت جباله ووديانه وطرقه عبر المكبات العشوائية، كما لوثت مياهه بسبب تسرب المياه المبتذلة، وكذلك هواؤه بفعل عمليات الحرق العشوائي.
عوامل عدة ساهمت بتفاقم تلك الازمة، بدءا من سوء ادارة هذا الملف وعدم اعتماد الحلول العلمية المعتمدة في معظم دول العالم، وصولا الى امكانية اعتماد "المحارق"، وهي تقنية معقدة ومكلفة جدا وبحاجة الى تشريعات قانونية وادارية لمراقبة عملها.
سمر خليل
موضوع النفايات في لبنان مر في عدة مراحل، وفقا لما تشير اليه الاخصائية في الادارة البيئية في الجامعة الاميركية في بيروت الدكتورة سمر خليل، اذ انه بعد انتهاء الحرب في لبنان عام 1997 تم اعداد خطة طوارىء لمعالجة النفايات فأنشىء مطمر الناعمة الذي كان مهيأ للاستخدام لمدة عشر سنوات. لكن الخطة لم تنجح بسبب كمية الفرز التي اقتصرت على 10 في المئة فيما تم طمر ما نسبته 90 في المئة".
واوضحت ان 53% من النفايات عضوية، و30% من المواد التي يمكن اعادة تدويرها، والنسبة المتبقية تذهب الى المطمر". وقالت: "اذا فرزنا من المصدر فسيتم تدوير بين 70 و 80 في المئة من النفايات، وتذهب نسبة 20 الى 30 بالمئة الى المطمر"، مؤكدة ان "طمر 90 في المئة زاد في المشكلة، معربة عن اسفها "لان هذه السياسة لا تزال متبعة حتى الان".
واشارت الى ان "الشركة التي كانت ملتزمة ملف النفايات سابقا، طالبت الدولة بتوسيع مراكز الفرز لكنها لم تتجاوب معها، مع العلم انه حين تم تلزيم موضوع الفرز في منطقتي بيروت وجبل لبنان كانت كلفة توسيع المعامل ملحوظة، لكن الى الان لم يحصل ذلك".
وتابعت: "في العام 2006 وضعت خطة لادارة النفايات، تقضي بأن يكون في كل قضاء مركز فرز وتسبيخ، وفي كل محافظة مطمر. وتم اختيار المواقع واعداد الدراسات عن الاثر البيئي عليها، منها ما تم القبول به ومنها ما رفض. ورغم ذلك لم تطبق الخطة، تارة بحجة انها مكلفة والتمويل غير متوفر والتي كانت حسب تقدير مجلس الانماء والاعمار 300 مليون دولار. لكن التدخل السياسي اطاح بتلك الخطة، اذ كان مقررا ان تذهب نفايات بيروت وجبل لبنان الى منطقة حبالين في جبيل وهذا ما رفض. وانتقل الخيار الى منطقة الشوف وتم رفضه ايضا".
واشارت الى انه في العام 2010 تم تعديل الخطة بادخال تقنية "المحارق" في بيروت وجبل لبنان والمدن الكبيرة، واكدت أن الوفد الذي زار لبنان من البنك الدولي عام 2006 اعتبر انها الانسب مع امكانية توليد الطاقة من قلب المطمر. ولاحظ الوفد حينها ان تقنيات المحارق ليست افضل الحلول وهي الاعلى كلفة".
وأعلنت انه في العام 2015 أعدت وزارة البيئة، بالتعاون مع الاتحاد الاوروبي، دراسة لتقييم الاثر البيئي الاستراتيجي لخطة ادارة النفايات، حيث تمت مقارنة عدة تقنيات من ناحية الكلفة المادية والصيانة وامكانية ايجاد فرص عمل، وهذه الدراسة اوصلت الى نتيجة بأن الحل الانسب للنفايات في لبنان هي تقنية المعالجة البيولوجية بالتزامن مع الفرز من المصدر مع امكانية استعمال المطامر".
وأكدت خليل "ان معظم الدراسات التي أعدت توصلت الى ان المحارق ليست الحل الانسب للنفايات في لبنان، مستندة الى ان اتفاقية ستوكهولم الدولية تؤكد ان الملوثات العضوية الثابتة خطيرة جدا، لا تتفكك في الطبيعة وتنتقل من مكان الى اخر في الهواء وعلى الارض وعلى الاعشاب التي تتناولها الحيوانات، فتدخل الى جسم الانسان عن طريق اللحوم او الالبان او الاجبان، وبالتالي تخزن هذه الملوثات في الانسجة الدهنية في جسم الانسان، خصوصا عند الرجال وتبقى في الجسم. وبالنسبة الى المرأة، فان هذه الملوثات الثابتة تنتقل الى الجنين اذا كانت حاملا او عبر الرضاعة"، مؤكدة ان المحارق تعتبر احدى اهم المصادر لتلك الملوثات وخصوصا مادة "ديوكسين" وغيرها.
وعن اعتماد المحارق في عدد من البلدان، قالت: "في حال وجودها، فهي محاطة بقوانين وتشريعات صارمة، والقطاع الذي يعمل في المحارق يراقب الملوثات الخارجة منها، ويأخذ عينات ليتم فحصها في مختبرات متخصصة لها. كما ان هناك مجموعة من الفلاتر، اذ انه لكل ملوث فيلتر معين، هذا بالاضافة الى وجود غرفتين اضافيتين للحرق في حال طرأت اي مشكلة"، لافتة الى ان "الحرارة يجب ان تبقى في الغرفة الاولى 850 درجة والثانية تكون من 1100 الى 1200 درجة، ويجب ان لا تنخفض عن هذا المستوى ما يتطلب وجود الكهرباء بشكل متواصل، على ان تكون طاقتها ما بين 8000 الى 9000 الاف كيلو وحدة حرارية.
وأوضحت انه ينتج من المحارق الرماد المتطاير، وهو على درجة عالية من الخطورة، ويأتي من تجزئة المعادن الثقيلة والملوثات ومن رماد القاع، الذي يحتاج بدوره الى معالجة دقيقة وفي مختبرات معينة".
وعما حصل على شاطىء الزوق الاسبوع الماضي من "غزو للنفايات" تقول خليل: "المسألة ليست وليدة اليوم، هناك اسباب عدة لما حصل، لعل ابرزها هو المكبات العشوائية والمنتشرة في الوديان المجاورة وحوض نهر الكلب، وقد جرفت الامطار النفايات الى البحر، اضافة الى سبب آخر قد يكون شارك في تفاقم الازمة فمنذ فترة وقبل بناء الحاجز البحري كانت النفايات ترمى في مكب برج حمود، ومما لا شك فيه انها ذهبت الى البحر دون معالجة. والنتيجة انها عادت الينا.
ولم تستبعد خليل ان يكون الحاجز البحري في مكب برج حمود منخفضا نسبيا أو تحطم ما ادى الى ظهور النفايات بهذا الشكل.
وأكدت أن انشاء مكب بحري أصعب بكثير من انشاء مكب على الارض، فالاول يتطلب انشاء كواسر للموج وضبط اكثر حتى لا تتسرب عصارة النفايات التي تحتوي على البكتيريا ومواد عضوية ومعادن ثقيلة و"أمونيا" ومواد بيولوجية وكيمائية. ومن المؤكد ان تسرب العصارة له اثار سلبية على البحر وعلى المياه الجوفية. وعليه فان النفايات التي تذهب الى المياه وخصوصا البلاستيك تقتل كل ما في الماء وتتحول الى مادة تسمى MICROPLASTIC، اذا ما تحللت يأكلها السمك، ومن ثم نتناولها نحن مع الاسف فناكل بلاستيك متحلل. فتعود كل النفايات الينا ضمن السلسلة الغذائية، هذا بالاضافة الى النفايات التي تتسرب الى الطحالب البحرية، لذا علينا ان لا نستغرب ان تكون نسبة مرضى السرطان في لبنان هي الاعلى على مستوى العالم.
وأعلنت خليل "ان الدراسات العلمية اثبتت ان الافراد الذين يسكنون بالقرب من المحارق يعانون من بطء وتأخر ذهني، عدا عن وجود تأثير كبير على جهاز المناعة ما يؤدي الى تشوهات خلقية".
وسألت: "لماذا لا تلتزم المؤسسات التي تتولى معالجة موضوع النفايات بمرسوم تقييم الاثر البيئي الذي تم اعداده عام 2012 والذي يمنع القيام باي مشاريع قبل دراسة الاثر البيئي لها، وذلك للتخفيف من الاثار السلبية المحتملة"، مشيرة الى "وجود ما يقارب الف مكب عشوائي يتم فيها حرق النفايات بشكل عشوائي، ما يؤدي الى انبعات مواد مسرطنة وغيرها".
وقالت: "نستطيع تأهيل بعض المكبات واستعمالها كمطامر صحية، بطريقة هندسية معينة يجب اعتمادها عند انشاء اي مطمر، ومنها وضع مادة عازلة تحت اي نوع من النفايات ووضع "نظام" يأخذ عصارة النفايات الى خزان، حيث من الضروري وجود محطة لمعالجة المياه قبل ان ترمى في اي مكان. عندما نطمر مواد عضوية، فاننا نعزل عنها الاوكسجين فتتحلل وينتج عنها غازات، هذا الغاز يولد نوعا من الانفجار اذا لم توجد قساطل معينة".
وعن الحل المناسب لمعالجة النفايات، رأت خليل ان الاولوية هي في العمل على: التخفيف من انتاج النفايات، الفرز من المصدر، التخفيف من استعمال البلاستيك، وضع ضريبة على اكياس النايلون، ايجاد محفزات اقتصادية، ولعل الاهم هو العمل على توسيع معامل الفرز والتسبيخ، وذلك بالتعاون مع البلديات بدل الذهاب الى أغلى التقنيات".
وأكدت "ان المحارق ليست الحل الانسب، لان نفاياتنا غير مفرزة، ونسبة 53 بالمئة منها عضوية ومليئة بالرطوبة"، مشيرة الى "ان المحارق ستحرم من العمل 7000 عائلة يعتاشون من اعادة التدوير في المصانع، اذ ان المواد التي يتم حرقها ستتسبب بخسارة للصناعيين الذين يضطرون الى استيراد الورق والنفايات من الخارج".