وشدد الرئيس عون على تصميمه "وضع حد للفساد من خلال تطبيق القوانين"، مشيرا الى ان "مرحلة أولى وأساسية على طريق محاربة الفساد انطلقت من خلال إقرار تحقيق مالي جنائي "Forensic Audit" في المصرف المركزي اللبناني. وهذا لأمر مهم من اجل كشف ما اذا حصلت انتهاكات طاولت الوضع المالي للدولة. وسيشمل التحقيق المؤسسات الرسمية كافة من اجل تحديد مسؤولية كل منها بطريقة شفافة، على ان تتم محاسبة جميع الذين ارتكبوا مخالفات".
وإذ أشار الرئيس عون الى ان "معضلة الفساد مزمنة في لبنان، وهناك منظومة سياسية تحمي الفاسدين وتتستر على ممارساتهم، كونها مستفيدة من ذلك بطريقة مباشرة. ومن الصعوبة بمكان كسر هذه الحلقة المتينة والمتجذرة، التي تتخطى الانقسامات السياسية لتلتف حول مصالح مالية"، جدد تصميمه على "متابعة النضال من اجل تفكيك هذا الكارتل المافيوي"، ولفت الى ان "ما من احد من افراد عائلتي متورط في الفساد، لكن اذا ما فرضنا عكس ذلك، فإنني سأتعامل مع أي فرد منهم كما اتعامل مع الآخرين، بمعنى انني سأحيله امام التحقيق القضائي لكيما ينال الجزاء الذي يستحق اذا ما ثبت تورطه".
وكشف رئيس الجمهورية أن "الملح اليوم النسبة الينا هو التوصل الى تحقيق مجموع الإصلاحات التي تعهدنا بها في مؤتمر "سيدر"، واننا نأمل ان توازي المساعدات الدولية حاجات لبنان، ما يتيح عملية النهوض به من جديد"، مذكرا ان "موقف فرنسا الى جانب سائر الدول الأخرى حول هذه المسألة واضح تماما، لا مساعدة من دون إصلاحات. لقد وصلت الرسالة ونحن متفقون حيالها، الا ان ذلك يتطلب تشكيل حكومة"، موضحا ان "بعض الجهات السياسية تصر على وضع العصي في الدواليب امام أي صلاح، لكنني من جهتي ساواصل النضال من اجل وضع الإصلاحات موضع التنفيذ".
واعرب عن مشاطرته "الألم الذي لا يوصف لضحايا انفجار بيروت"، معتبرا ان باستطاعته "بلسمة جراحهم من خلال امرين، الاول، السهر على ان تجرى عملية التحقيق بشفافية تامة لتحديد المذنبين، ايأ كان موقعهم او نسبة مسؤولياتهم، ولقد التزمت خلال جلسة مجلس الوزراء قبل ان تتقدم الحكومة باستقالتها بأن تتم محاكمتهم. والامر الثاني، بذل الجهود المطلوبة كافة بهدف طلب مساعدة الدول الصديقة للتعويض على الضحايا. نحن سنعيد بناء بيروت ومرفئها وانا سأسهر على ان يتم ذلك من دون المس بالتراث الثقافي للمدينة".
ولمناسبة احياء لبنان المئوية الأولى لاعلان دولة لبنان الكبير، شدد رئيس الجمهورية على ان حلمه "هو تنظيف لبنان من الفساد الذي ينخر فيه حتى العظم، وإرساء أسس دولة علمانية"، وقال: "حلمي هو إرساء عقد اجتماعي جديد حول "العيش معا" مع القوى الحية كافة. واذا كان من الصعوبة بمكان ان نكون متحدين، فلنجد نظام عيش معا ونوقف حفر خنادق لا تساهم في حمايتنا من بعضنا البعض ولا من انفسنا".
وأشار الرئيس عون الى انه "من اجل تمتين أسس هذا البلد، على المجتمع الدولي ان يساعدنا في إيجاد حل لمسألة الوجود الكثيف للاجئين وللنازحين على ارضنا"، مؤكدا انه "ليس من الطبيعي ولا من الأخلاقي بمكان، ان يدع المجتمع الدولي بلدا صغيرا يتحمل عبئا مماثلا بما له من تداعيات على استقراره".
وشدد على انه "سبق لبيروت ان اجتازت صعوبات نتيجة أسباب مختلفة. الا انه في كل مرة، نجح اللبنانيون في ازالة كل آثار الحروب واعادوا بناء عاصمتهم"، مؤكدا ان "بيروت ستنهض من جديد بمساعدة جميع اللبنانيين، وبدعم الدول الشقيقة والصديقة وعلى الأخص بمساعدة فرنسا الرئيس ايمانويل ماكرون".
كلام الرئيس عون جاء في خلال مقابلة صحافية أجرتها معه مجلة "Paris Match" الفرنسية في عددها الصادر صباح اليوم في باريس.
نص المقابلة
وفي ما يلي النص الكامل للمقابلة:
الندم على الرئاسة
سئل: هل انتم نادمون على كونكم رئيسا للجمهورية اللبنانية؟
أجاب: قطعا لا. ان البعض من مؤيدي يأسف لكوني اجتاز هذه الفترة الصعبة والدقيقة، في حين ان البعض الآخر يعتقد، على العكس من ذلك، ان وجودي في موقع الرئاسة يشكل فرصة، كونهم يثقون بي وباراداتي في بلوغ المستحيل من اجل انقاذ بلدي. وهناك مجموعات واقعة تحت تأثير الغضب، نتيجة الاحداث التي وقعت في لبنان، تنادي برحيلي من السلطة. يبقى امر واحد بديهي بالنسبة الي، وهو اني ما تهربت يوما من تحمل المسؤولية. هذا ما كنت عليه كعسكري وصولا الى تبؤو منصب قيادة الجيش. كما كنت كذلك في التزامي السياسي... ولن اتغير اليوم وانا في قصر بعبدا".
وضع حد للفساد
سئل: كيف تنوون وضع حد للفساد المستشري؟
أجاب: "من خلال تطبيق القوانين. لقد انطلقت مرحلة أولى وأساسية على طريق محاربة الفساد من خلال إقرار تحقيق مالي جنائي "Forensic Audit" في المصرف المركزي اللبناني. وهذا لأمر مهم من اجل كشف ما اذا حصلت انتهاكات طاولت الوضع المالي للدولة. وسيشمل التحقيق المؤسسات الرسمية كافة من اجل تحديد مسؤولية كل منها بطريقة شفافة، على ان تتم محاسبة جميع الذين ارتكبوا مخالفات عبر استفادتهم من الدولة امام القضاء المختص.
المساعدات الدولية والاصلاحات
سئل: هل غدت الضغوط الدولية المشروطة بتقديم المساعدة الملحة امرا من شأنه ان يمس سيادة لبنان؟
أجاب: "انني لا انظر الى كل هذا الاهتمام الدولي كوسيلة ضغط ولا كتدخل مباشر في الشؤون الداخلية اللبنانية. ان دول العالم ترغب في مساعدتنا، وهي تسدي الينا التوجيه والنصح. يبقى ان القرار النهائي هو للبنان وشعبه. أن الملح اليوم النسبة الينا هو التوصل الى تحقيق مجموع الإصلاحات التي تعهدنا بها في مؤتمر "سيدر". واننا نأمل ان توازي المساعدات الدولية حاجات لبنان، ما يتيح عملية النهوض به من جديد".
سئل: هل يمكن للبنان ان يتجاوز مساعدة فرنسا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وبشكل أوسع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي؟
أجاب: "لا يمكن للبنان ان يتجاوز ذلك، وهو غير راغب بمثل هذا الامر طالما انه هو من بادر الى طلب دعم هؤلا الشركاء كافة. ومن جهتي، فلقد اصريت، في 9 اب الحالي، اثناء المؤتمر الدولي لمساعدة لبنان الذي انعقد بمبادرة من الرئيس ماكرون، على ان توضع إدارة كل المساعدات تحت اشراف الأمم المتحدة، حرصا على الشفافية من جهة وللتأكد من حسن التنفيذ من جهة ثانية".
سئل: هل تعتقدون ان هذه المساعدات يمكن ان تقدم من دون اجراء الإصلاحات؟
أجاب: "ان موقف فرنسا الى جانب سائر الدول الأخرى حول هذه المسألة واضح تماما، لا مساعدة من دون إصلاحات. لقد وصلت الرسالة ونحن متفقون حيالها، الا ان ذلك يتطلب تشكيل حكومة. نحن في ظل نظام برلماني، ويعود للمجلس النيابي ان يمنح ثقته الى الحكومة، كما تعود اليه امر مهمة إقرار الإصلاحات. ان هذا المسلك الشرعي قد يعيق المسار المنشود، ذلك ان بعض الجهات السياسية تصر على وضع العصي في الدواليب امام أي صلاح، لكنني من جهتي ساواصل النضال من اجل وضع الإصلاحات موضع التنفيذ".
منظومة الفساد
سئل: عندما تقدم رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب باستقالة حكومته، اعلن ان ايدي الدولة مكبلة امام منظومة الفساد، هل هذا الامر صحيح؟
أجاب: "ان معضلة الفساد مزمنة في لبنان. وهناك منظومة سياسية تحمي الفاسدين وتتستر على ممارساتهم، كونها مستفيدة من ذلك بطريقة مباشرة. ومن الصعوبة بمكان كسر هذه الحلقة المتينة والمتجذرة التي تتخطى الانقسامات السياسية لتلتف حول مصالح مالية. أجل، انه لأمر صعب الذهاب حتى النهاية في القضاء على هذه المنظومة، لكنني مصمم على متابعة النضال من اجل تفكيك هذا الكارتل المافيوي. لقد سعيت جاهدا الى ذلك، خلال السنوات الأربع المنصرمة من ولايتي، لكنني اقر انني لم افلح دائما بسبب ان العديد ممن يمسك بهذه المنظومة يحتل مواقع أساسية في الدولة".
سئل: اذا ما ثبت ان افرادا من عائلتكم متورطون في مسائل فساد، على ما يدعي البعض، هل انتم على استعداد لتوقيفهم؟
أجاب: "ما من احد من افراد عائلتي متورط في الفساد. ولكن اذا ما فرضنا عكس ذلك، فإنني سأتعامل مع أي فرد منهم كما اتعامل مع الآخرين، بمعنى انني سأحيله امام التحقيق القضائي لكيما ينال الجزاء الذي يستحق اذا ما ثبت تورطه".
الى ضحايا الانفجار والتحقيق
سئل: بماذا تجيبون ضحايا انفجار المرفأ الذين يشكون غياب الدولة؟
أجاب: "انني اتفهم تماما معاناتهم نتيجة هذه المأساة، وليس بوسعي الا ان اشاطرهم هذا الألم الذي لا يوصف. ومما لا شك فيه ان باستطاعتي بلسمة جراحهم الى حد ما من خلال امرين:
- السهر على ان تجرى عملية التحقيق بشفافية تامة لتحديد المذنبين، ايأ كان موقعهم او نسبة مسؤولياتهم. ولقد التزمت، خلال جلسة مجلس الوزراء قبل ان تتقدم الحكومة باستقالتها بأن تتم محاكمتهم.
- بذل كل الجهود المطلوبة بهدف طلب مساعدة الدول الصديقة للتعويض على الضحايا. نحن سنعيد بناء بيروت ومرفئها، وانا سأسهر على ان يتم ذلك من دون المس بالتراث الثقافي للمدينة.
سئل: هل سجل التحقيق تقدما؟
أجاب: "ارادتي ان يتوصل التحقيق الى خواتيمه بأقصى سرعة ممكنة. لقد وقعت الكارثة منذ أسبوعين، وحتى اليوم هناك نحو 25 مسؤولا مباشرا او غير مباشر في المرفأ قد تم توقيفه. يبقى ان الأهم هو في تحديد كيفية وصول هذه الكمية من نيترات الأمونيوم الى المرفأ، ولماذا بقيت فيه منذ العام 2013 حتى تاريخ الانفجار؟ ان علامات الاستفهام كثيرة مطروحة ولا يجب اهمال أي من الفرضيات. وانني اسهر شخصيا على ذلك واتابع التفاصيل ساعة بساعة وساواصل السعي لمعرفة الحقيقة".
أي حلم للبنان
سئل: في الأول من أيلول يحيي لبنان الذكرى المئوية لأعلان دولة لبنان الكبير، فأي مستقبل تحلمون لهذا البلد؟
أجاب: "حلمي هو تنظيف لبنان من الفساد الذي ينخر فيه حتى العظم وإرساء أسس دولة علمانية. حلمي هو إرساء عقد اجتماعي جديد حول "العيش معا" مع كل القوى الحية. واذا كان من الصعوبة بمكان ان نكون متحدين، فلنجد نظام عيش معا ونوقف حفر خنادق لا تساهم في حمايتنا من بعضنا البعض ولا من انفسنا. الا انه من اجل تمتين أسس هذا البلد، على المجتمع الدولي ان يساعدنا في إيجاد حل لمسألة الوجود الكثيف للاجئين وللنازحين على ارضنا. لقد انطلق هذا الامر في العام 1947 مع الفلسطينيين، ثم استتبع في العام 2011 مع موجة من نحو مليون ونصف من النازحين السوريين. واليوم، وعلى الرغم من كل النداءات التي اطلقت من اعلى المنابر الدولية من اجل عودة النازحين السوريين الى بلادهم التي أصبحت أكثرية مناطقها آمنة، فأن هؤلاء لا يزالون في لبنان. لقد قمنا بمساعدتهم، وهذا امر بديهي، الا ان ذلك كان ولما يزال فوق طاقتنا. وانه ليس من الطبيعي ولا من الأخلاقي بمكان ان يدع المجتمع الدولي بلدا صغيرا يتحمل عبئا مماثلا بما له من تداعيات على استقراره".
حزب الله والحرب السورية
سئل: لماذا لا يقوم "حزب الله" المشارك في الحرب السورية الى جانب بشار الأسد، في التفاوض من اجل تأمين عودة هؤلاء؟
أجاب: "ليس حزب الله الوحيد الذي شارك في هذه الحرب، فالعديد من الدول ساهموا فيها. وبات الجميع اليوم، جزءا لا يتجزأ من الازمة في سوريا، كما من حلها ومن مسألة عودة النازحين".
سئل: يأخذ الشارع غالبا على حزب الله، الأكثري، بأنه لا يجعل من لبنان أولويته نتيجة ارتباطه بإيران التي باتت منهكة نتيجة العقوبات الدولية المفروضة عليها ودورها العسكري المتعاظم في المنطقة. ما هو رأيكم تجاه ذلك؟
أجاب: "لو كانت اولويته ايران عوضا عن لبنان، لما كان مشاركا في الحياة السياسية اللبنانية من خلال كتلة نيابية وعبر حكومات عدة وذلك منذ سنوات. ان حزب الله ملتزم القوانين اللبنانية والأنظمة اللبنانية، وهو لا يستخدم أسلحته الا كمقاومة للدفاع عن البلد ضد إسرائيل".
سئل: هذا امر خاطئ، فالحزب اطلق سواعده الكبرى ضد المتظاهرين المعارضين وهو يستخدم أسلحته لمساندة النظام السوري بناء على طلب من ايران؟
أجاب: "لا، ان حزب الله لم يعتد على المتظاهرين السلميين في بيروت، وما من تقرير للقوى الأمنية أشار الى ذلك. اما بخصوص مشاركته في الحرب في سوريا، فلقد اجبت على سؤالكم حينما أوضحت انه ليس الوحيد".
اقسى مراحل تاريخ لبنان
سئل: جنرال، لقد عايشتم الحروب اللبنانية كافة، إلا انه ما من مرة دمرت فيها بيروت كما حصل نتيجة انفجار المرفأ، هل تعتقدون بأن لبنان يجتاز اليوم اقسى مرحلة من تاريخه؟
أجاب: "لقد سبق لبيروت ان اجتازت صعوبات مماثلة نتيجة أسباب مختلفة. الا انه في كل مرة، نجح اللبنانيون في ازالة كل آثار الحروب واعادوا بناء عاصمتهم. واني لواثق انهم سينجحون في ذلك من جديد. اجل، ستنهض بيروت من جديد بمساعدة جميع اللبنانيين وبدعم الدول الشقيقة والصديقة وعلى الأخص بمساعدة فرنسا الرئيس ايمانويل ماكرون".