أخبار عاجلة
لبنان أمام مرحلة اختبار قصيرة؟ -
في سوريا.. انفجار خلال حفل زفاف يوقع عشرات الجرحى -
عون: الطريق المسدود أخذنا إلى التفاوض -
برجك اليوم -
عمرو دياب يتألق على مسرح الكويت بحفل أسطوري -
الإمارات إلى نصف نهائي كأس العرب -
مسار المفاوضات المحتمل: إدارة عدم الاستقرار -

مسار المفاوضات المحتمل: إدارة عدم الاستقرار

مسار المفاوضات المحتمل: إدارة عدم الاستقرار
مسار المفاوضات المحتمل: إدارة عدم الاستقرار

كتبت جوسلين البستاني في “نداء الوطن”:

في 3 كانون الأول 2025، عُقد في الناقورة اجتماع تفاوضي ضمّ ممثلين عن الولايات المتحدة والأمم المتحدة، ولأول مرة منذ عقود، شارك مدنيان من لبنان وإسرائيل. اندرج هذا الاجتماع ضمن الإطار التنفيذي لاتفاق وقف الأعمال العدائية المبرم في تشرين الثاني 2024، أو ما يُعرف بالـ “ميكانيزم”. بمعنى آخر، لا يشكّل هذا الحدث مسارًا تفاوضيًا مستقلًا، بل امتداداً مباشراً للهيكلية التي أرساها ذلك الإطار.

في حين تجدر الإشارة إلى أن الصيغة الجديدة التي شملت ضمّ مدنيين مثلت تحولًا مهمًا، فإن القيود الأساسية والأهداف المعلنة تشير بوضوح إلى أن الغرض من هذه الاجتماعات ما يزال محصورًا في إدارة الأزمة. بعبارة أخرى، تبدو الخطوة أشبه بإجراء لـ “نزع فتيل التوتر” وتنظيم الأعمال العدائية، أي شكلًا من أشكال الاحتواء الذي يتيح لإسرائيل تنفيذ ضربات محدودة الأهداف من دون الانخراط في هجوم شامل. وعليه، يبقى المسار الأكثر ترجيحًا هو “إدارة عدم الاستقرار”، ولا سيما أنه لا يمكن التأكيد أن نزع السلاح قد طُرح رسميًا أو نوقش أو جرى الاتفاق عليه كجزء من أي بند، على الأقل ليس بطريقة شفافة أو علنية.

وعلى الرغم من أن كسب الوقت لا يعتبر أمرًا عديم الجدوى، وإن كان لا يشكّل مسارًا نحو الحل، فإنه من الواضح أن المرحلة الراهنة تشهد توجّهًا نحو تأجيل اندلاع حرب كبرى، على الأقل في المدى القريب، ولا سيّما من جانب الولايات المتحدة. فمفاوضات الناقورة تتيح لواشنطن فرض قدر من الهدوء النسبي، وضبط قواعد الاشتباك، والحفاظ على هامش للمناورة والتنسيق مع الشركاء الإقليميين، واستثمار القنوات الخلفية للضغط على طهران.

ولأن الوقت لا يشتري نزع السلاح، ولا بناء نظام حدودي مستقر، ولا إنتاج تسوية سياسية، ولا قيام دولة قادرة فعليًا على اتخاذ قراراتها في لبنان، يصبح من الضروري النظر إلى الدبلوماسية الجارية بوصفها نمطًا انتظاريًا بحتًا. وطالما احتفظ “حزب الله” باستقلاليته التشغيلية، فإن أي هدوء متحقق سيظلّ موقتًا وقابلًا للانهيار. فاحتمال اندلاع حرب جديدة يبقى قائمًا، لا لأن الدبلوماسية عبثية، بل لأن العوامل البنيوية للصراع لم تتغير. فمن جهة، لا يستطيع “حزب الله” التنازل عن سلاحه من دون تبعات وجودية، ومن جهة أخرى، لا يبدو أن لدى القادة الإسرائيليين، على اختلاف اتجاهاتهم، أي استعداد لـ “التعايش” مع وكيل إيراني مسلّح على حدودهم. والأهمّ أن عتبة قبول إسرائيل بهذا الواقع تبدّلت جذريًا بعد عملية طوفان الأقصى، وكذلك عقيدتها العسكرية التي باتت أكثر ميلًا إلى المنع الوقائي منها إلى الضربات الاستباقية.

ومن الواضح أيضًا، أن امتناع “حزب الله” عن الردّ على الضربات الإسرائيلية يُظهر أن الحملة العسكرية الأخيرة ضدّه لم تقتصر على إضعاف قدراته، بل أسست أيضًا لما يشبه “هيكل ضبط النفس القسري”. فقرار القيادة بعدم المجازفة بالردّ في هذه المرحلة، يعكس إدراكًا بأن أي مواجهة واسعة الآن ستستجلب ردًّا انتقاميًا كارثيًا. من هنا، حافظ “حزب الله” على انضباط صارم في وقف إطلاق النار طوال اثني عشر شهرًا. وقد تجلّى خياره “العقلاني” في استيعاب الضربات الانتقائية والقبول بمرحلة من المفاوضات التي تُهدّئ المشهد الميداني.

وهذا النهج يصفه المنظرون العسكريون بـ “التجميد الاستراتيجي”، أي الحفاظ على الأصول العسكرية الأساسية وتجنب أي خطوة قد تُسقط الغطاء السياسي لوقف إطلاق النار. فـ “حزب الله” يقبل بخسائر تكتيكية محدودة لقاء تحقيق الهدف الاستراتيجي الأوسع: تفادي حرب يدرك أن خوضها اليوم يحمل احتمالاً شبه معدوم للنجاة، في مرحلة يسعى خلالها إلى إعادة التسلّح وبناء قدراته القتالية، هذا إذا أُتيحت له تلك الفرصة أصلًا.

غير أن استراتيجية الامتناع المتعمّد عن الانتقام تولّد مفارقة بنيوية: فـ “حزب الله”، مدرك أن أيّ تصعيد في الظرف الراهن سيكون مكلفاً إلى حدّ الانتحار، يواصل تجنّب الردّ. لكن غياب كلفة رادعة مرتفعة يتيح لإسرائيل توسيع هامش عملياتها وتكثيف ضرباتها، ما يزيد من قابلية تصاعد الهجمات الموجّهة ضدّ “حزب الله”. وقد أصبح هذا الاختلال أكثر وضوحًا مع تآكل “حدّ الردّ الأدنى” الذي كان يُفترض، خطأً، أنه يستند إلى إمكانية اللجوء إلى الصواريخ الدقيقة أو القدرات الاستراتيجية.

وبالتالي، تؤدي هذه الديناميكية مع مرور الوقت إلى ما يمكن تسميته بـ “حملة تدهور متواصلة” يتحمّل خلالها “حزب الله” خسائر تراكمية. فمن جهة، فقد جانبًا حاسمًا من مرونته العملياتية، ومن جهة أخرى لا يزال يحتفظ بقدرات استراتيجية وصواريخ ومنظومات بعيدة المدى يعجز عن استخدامها من دون إشعال حرب تدميرية. فيصبح هذا الامتناع نفسه عاملًا مضاعفًا لضعفه: إذ كلما طال الزمن بلا ردّ، تراجعت مصداقية تهديداته وتعزز هامش المبادرة الإسرائيلية.

من هنا، فإن كل تفعيل للـ”ميكانيزم” يُشكّل في جوهره استراحة بين جولات المواجهة. فالحرب الإسرائيلية المحتملة تهدف صراحةً إلى نزع سلاح “حزب الله” بالكامل، غير أن تحقيق هذا الهدف على الأرض يواجه قيودًا جوهرية. إذ إن جزءًا من ترسانته موزع داخل مناطق مدنية مأهولة، فيما يُخزن القسم الأكثر حساسية والأعلى قيمة عملياتية، ولا سيما المرتبط بالصواريخ الدقيقة أو منظومات الاتصالات، في مواقع محصّنة أو مدمجة داخل بيئات يصعب الوصول إليها بفعل التمويه أو البنية التحتية تحت الأرض. وهذا النمط من التخزين لا يمنع استهداف هذه المواقع بالكامل، لكنه يجعل الوصول إليها مكلفًا ويتطلّب عمليات واسعة تتجاوز الضربات الجوية المحدودة وصولًا إلى عملية برية طويلة وممتدّة، وهو مسار ليس مؤكّدًا أن إسرائيل مستعدّة لتحمّل كلفته، رغم أنها ستسعى إلى توجيه ضربات موجعة لتقليص قدرات “حزب الله” العملياتية وإحداث تغيير في ميزان القوى.

وبناءً عليه، تبدو النتيجة الأكثر ترجيحًا فرض نظام عازل موحّد بعد الحرب، يضبط قواعد الاشتباك ويتيح مشاركة دولية لضمان استقرار المرحلة اللاحقة. وفي هذا السياق، قد تكتسب مفاوضات الناقورة أهمية محورية في إدارة الوضع حينها، مع إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة أمام الخيارات الاستراتيجية المستقبلية.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق شينكر: اذا لم تنزع الحكومة سلاح “الحزب” إسرائيل ستكمل المهمة
التالى عون: الطريق المسدود أخذنا إلى التفاوض