ما حدث قبل أسبوعين واحدة من جولات كثيرة تحصل منذ سنوات. في كل مرّة يدرج فيها هذا المشروع على الجدول يُعاد سحبه، ولكن ليس إلى "أبد الآبدين" بحسب متابعيه. إذ ثمة "إصرار على تمريره بطريقة أو بأخرى". وهذه المرة، "الوضع أصعب" خصوصاً أنه مسنود بموافقة مجلس شورى الدولة (تشرين الثاني 2017)، وبمباركة المجلس الأعلى للجمارك، صاحب المشروع في الأصل، الداعي الى "اتخاذ الإجراءات التنفيذية لمشروع المرسوم وتحضيره".
الخوف من مشروع مرسوم "نظام معاينة ومراقبة الحاويات والبضائع في الموانئ اللبنانية" لا يأتي من فراغ. ثمة "كلمات – مفاتيح" كافية لإثارة الخشية، منها الجهة التي ستؤول إليها مهمة إدارة نظام معاينة ومراقبة الحاويات والبضائع والمركبات. المشروع يأتي في 10 مواد، اثنتان منها تختصران بيت القصيد: المادة الثالثة تتعلق بهوية هذه الجهة، وهي "مؤسسة خاصة بإنشاء وتشغيل نظام معاينة ومراقبة الحاويات والبضائع والمركبات لدى دخولها إلى الأراضي اللبنانية وخروجها منها وخلال عبورها فيها، تحت الأوضاع الجمركية كافة". والمادة الخامسة التي تستعرض واجبات المؤسسة المعتمدة "حيث تتولى تشغيل نظام المعاينة والمراقبة (…) وتمويل وتركيب وادارة وتشغيل التجهيزات والأنظمة والبرامج كافة، وتأمين الموظفين والعمال وسائر الأدوات والمعدات لتشغيل هذه التجهيزات والأنظمة والبرامج".
يمكن ترجمة هذا الجزء، عملياً، على النحو التالي: تعمد الدولة اللبنانية إلى تكليف شركة خاصة للقيام بمهامها هي. بمرسوم وزاري، "تبيع الدولة مهام الجمارك"، يقول المدير العام للجمارك بدري ضاهر. وتكون عملية البيع من خلال إيكال المهام المنصوص عنها في قانون الجمارك (4461) إلى شركة ستفعل ما تفعله أصلاً المديرية العامة، ومعها "طفرة" من الشركات الخاصة. وتعطيها - علاوة على ذلك – "Bonus" عبر السماح لها باستيفاء "جعالة مباشرة من أصحاب العلاقة لدى القيام بخدمة معينة ومراقبة الحاويات والبضائع والمركبات لصالح إدارة الجمارك"، وذلك "طيلة مدة الإلتزام" التي يحددها المشروع بما "لا يزيد على عشر سنوات"، على أن تعود التجهيزات والإدارة إلى الدولة. وهذه "نكتة سمجة أخرى"، خصوصاً أنه "ولا مرة شركة خاصة تلزّمت ورجعت فلت"، يقول سامر سوبرة، أحد أعضاء نقابة مخلصي البضائع. هي نتيجة تجربة لبنانية بحتة، يستحيل معها "كل مؤقت دائماً".
خصخصة "سكانر"!
يفترض أن تقوم الشركة المكلفة بتجهيز المرافق الحدودية التي يجري تحديدها بـ"سكانر" للكشف الشعاعي على بضائع الحاويات والمركبات، على أن تمنح صاحب العلاقة بعد ذلك إفادة. وقد بررت "الأسباب الموجبة" للمرسوم هذا اللجوء للشركة الخاصة بعدم قدرة الدولة على تجهيز المعابر، إضافة إلى مكافحة التهرب الضريبي ومواكبة المعايير العالمية التي تنص عليها منظمة الجمارك العالمية. مصدر في المجلس الأعلى للجمارك يقلّل من شأن كل حديث عن الخصخصة، انطلاقاً من أن الأمر "مجرد أداة تصوير تزودنا بصورة، هذا كل ما تفعله". ويؤكد "بكلمتين" أن المشروع المطروح "لا هو بيع ولا هو خصخصة للجمارك التزاماً بتوصيات منظمة الجمارك العالمية التي تمنع منعاً باتاً تنازل الدولة عن إداراتها السيادية. وهذا المرفق مرفق سيادي". أما "كل ما في الأمر أن لدينا سكانر ما زلنا منذ 2007 غير قادرين على صيانتها بسبب الكلفة. فلماذا على الدولة تحمّل هذه المسؤولية؟ نكلف شركة عملها فنّيّ لتعطينا الصورة. في النهاية نريد الصورة بصرف النظر عن طريقة الحصول عليها". ببساطة، تشبّه مصادر المجلس الأعلى الوضع القائم بـ"واحد يملك آلة تصوير بالمكتب بتضل تتعطل وتصويرها سيئ، لذلك كان اللجوء إلى شركة تجهز المرافق بسكانر هي أداة بيد الكشاف ولا تحل مكانه أو مكان أي عامل آخر".