عمل اللاجئين الفلسطينيين بين الـ 'ميكرو' والـ 'ماكرو'.. أي توازن بين الإنساني والسيادي؟

عمل اللاجئين الفلسطينيين بين الـ 'ميكرو' والـ 'ماكرو'.. أي توازن بين الإنساني والسيادي؟
عمل اللاجئين الفلسطينيين بين الـ 'ميكرو' والـ 'ماكرو'.. أي توازن بين الإنساني والسيادي؟
"أيام غضب فلسطينية" يعيشها لبنان راهناً في ظلّ موجة الاحتجاجات وقطع الطرقات من قبل مجموعات من اللاجئين الفلسطينيين "المنتفضين" على خطة وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان التي تحمل شعار "مكافحة العمالة الأجنبية غير الشرعية". القصة بدأت عندما ختم مفتشو وزارة العمل مؤسسة زياد عارف للسيراميك بالشمع الأحمر لعدم حصوله على إجازة عمل، ثم تبعها تسطير عدد من محاضر الضبط بحق عمال فلسطينيين، وهو ما اعتبره اللاجئون الفلسطينيون مجحفاً بحقهم سيّما وأنه ينسف مبدأ "الخصوصية" التي يتمتعون بها، "بحسب القانون". وفيما كانت تتدحرج إطارات السيارات لحرقها احتجاجاً وتنديداً أمام المخيّمات، راحت كرة الثلج بدورها تتدحرج وتكبر حدّ أن أخرجت من الأدراج مجدداً فزاعة التوطين، وبدأ تقاذف الاتهامات بين المسؤولين والمعنيين، وبات وزير العمل بنظر البعض شريراً يهدف إلى تهجير اللاجئين الفلسطينيين من لبنان بقراراته "العبقرية"، وبات الفلسطينيون بنظر اللبنانيين "قنابل موقوتة" تهدد الأمن والاستقرار المزمع.. أخذ وردّ وأسئلة وتساؤلات وتحليلات والكثير مما يُكتب ويقال، ولكن ماذا في الأبعاد السياسية لهذه القضية؟

قبل الغوص في قراءة سياسية لما يحصل على أرض الواقع، يؤكد الخبير في السياسات العامة واللاجئين زياد الصائغ أنه "من حق الدولة اللبنانية تنفيذ قوانينها، بل من واجبها، وهذا ما يؤكده الجانب الفلسطيني أيضاً إذ جاء على لسان موفد الرئيس الفلسطيني عزام الأحمد كلام واضح في هذا الإطار عندما قال ما معناه إن اللاجئين الفلسطينيين ضيوف في هذا البلد الذي نحترم أحقيته في تطبيق نصوصه القانونية".

هذا التفاهم اللبناني - الفلسطيني على أهمية تطبيق القوانين بدا وكأنه ورقة خريف تتطاير في مهبّ الرياح ما إن أفصح وزير العمل عن خطته وبدأ بتطبيقها. فأين الخلل؟!

يعود الصائغ إلى "العام 2005 عندما أنشئت لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني. وقد نجحت اللجنة في نقل الملف الفلسطيني من المربعات الحزبية الى مربع الدولة اللبنانية بحيث بدأ العمل جدياً على تنظيم العلاقة اللبنانية- الفلسطينية، وحصل ترميم للذاكرة اللبنانية-الفلسطينية، وسجلّت مبادرات كثيرة بين الأفرقاء المتصارعين، وبين الأفرقاء المتصالحين، وصولاً إلى إنجاز هذه اللجنة وثيقة رؤية موحدة تجاه قضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان شاركت فيها الأحزاب السياسية كافة ووافقت عليها".

ويضيف الصائغ: "لحظت هذه الوثيقة التي أنجزت في العام 2017، ومن إحدى التوصيات فيها، عمل اللاجئين الفلسطينيين وتسجيلهم في الضمان الإجتماعي للإفادة من تعويض نهاية الخدمة. وقدمت التوصية لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني آنذاك إلى رئيس الحكومة على أن توضع على جدول أعمال مجلس الوزراء لإقرارها. وهو ما يؤدي حكماً إلى تفادي أي احتمالية لاستنسابية في القرارات التي قد يتخدها الوزراء المتعاقبون".

لكن هذا الأمر لم يحصل. "لو أقرت الوثيقة في مجلس الوزراء، لكانت ستشكل الإطار الناظم للسياسات العامة في كل القضايا التي تتعلق باللجوء الفلسطيني بما فيها العمل"، بحسب الصائغ. "ولكانت طبعاً قد وفرّت علينا كل هذه الإشكالات".

وتؤكد الوثيقة خصوصية اللاجئ الفلسطيني العامل لناحية عقد العمل، علماً أنها تلحظ ضرورة استحصاله على إجازة عمل، فيما تشير إلى ضرورة إعفائه من الرسوم التي فُرضت عليه في التعديلات التي طالت قانون العمل في العام 2010 والتي بموجبها صار يتوّجب عليه تسديد رسم للضمان الإجتماعي في صندوق المرض والأمومة من دون أي يستفيد منه على أساس أنه يستفيد فقط من نهاية تعويض الخدمة، فيما يتوّلى المجتمع الدولي من خلال وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين مسؤولية الاستشفاء.

ويقول الصائغ إن وزير العمل يهدف إلى تطبيق القوانين، وهذا ما أعلنه مراراً وتكراراً، لكن كان "من الأفضل وضع المراسيم التطبيقية لتنفيذ القانون الذي يلحظ خصوصية العامل اللاجئ الفلسطيني على طاولة مجلس الوزراء لإقرارها!"

قد يبدو سهلاً للبعض الاعتراف بأن وزير العمل لم يتنبه لهذه المسألة، لكن ما هو أصعب بالنسبة إلى الصائغ "التأكيد أن الثغرة الأكبر تتحملها الحكومة التي لم تضع السياسة العامة التي أنجزتها لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني على جدول أعمال مجلس الوزراء لإقرارها".

لكن ماذا في أبعاد هذه القضية؟ وهل هي قصة عمالة وحسب؟

بحسب الصائغ، فإنه "إذا كان هناك من جزء في ردة الفعل الفلسطينية يتعلق بقرار وزير العمل، إلا أنّ الجزء الأكبر لا علاقة له بوزير العمل، بل بخلفيات أخرى تماماً"! ويضيف: "في اليومين الماضيين، ثمة من كان يريد أن يقول لنا بوضوح "الأمر لي في الملف الفلسطيني. ثمة من يخبرنا أنه يمسك بهذه القضية في ظلّ اشتباك إقليمي دوليّ ومستجدات ثقيلة وعلى رأسها صفقة القرن. ملف العمل "ميكرو"، أما "الماكرو" فهو ملف اللاجئين الفلسطينيين برمتّه".

وبرأيه، ليس صحيحاً أنّ ثمة إشكالاً طائفياً في هذه القضية. أما الحديث عن أنّ قرار وزير العمل يهدف إلى التوطين، فلا يمكن أن يهضمه الصائغ أو أن يتقبله، فيكتفي بتوصيفه أنه "شعبوي".

يقول:"ربما لم يتوقع الوزير ردة الفعل الفلسطينية، سيّما وأنه يؤكد أنّ خطته من شأنها حماية العامل اللاجئ الفلسطيني وضمان حقوقه، لكن هل يعقل أن نتهمه بالسعي إلى التوطين لأنه قرر تنظيم قطاع العمل الفلسطيني؟".

وفي هذا الإطار، يوضح الصائغ أنّ" تنظيم قطاع العمل الفلسطيني من شأنه حمايتهم كعمال والتأكيد على خصوصيتهم كلاجئين بما يعني تالياً وحكماً التأكيد على حق العودة".

وللأسف، يرى الصائغ أنّ "هذا التهويل الذي يطلقه البعض اليوم يتشابه مع التهويل الذي أطلقته الجهة نفسها حيال تنظيم وجود النازحين السوريين في لبنان إذ اعتبر وقتها أنّ وضعهم في مخيّمات سوف يؤدي إلى توطينهم في لبنان".

ما هو المطلوب إذاً؟ وما هي الحلول؟

يقول الصائغ إنه "من الملح على وزير العمل الانكباب على إنجاز المراسيم التطبيقية التي تأخذ بعين الاعتبار خصوصية العمال اللاجئين الفلسطينيين وأصحاب العمل منهم أيضاً، وطبعاً تحت سقف القوانين اللبنانية. ولعلّه مدعو أيضاً إلى إنجاز دراسة لسياسة العمل يحدد فيها أي قطاعات بحاجة إلى عمّال غير لبنانيين، وفي حال كان بعض القطاعات لا يتوّفر فيه عمال لبنانيون ، فلم لا نعطي الأفضلية للاجئ الفلسطيني؟ ألا يخفف هذا الأمر أصلاً التوتر والفقر والتطرف والإرهاب؟ ويؤكد أيضاً على احترام لبنان حقوق الإنسان!"؟

من ناحية أخرى، يرى الصائغ أن المرجعيات الفلسطينية مدعوة بدورها إلى "ضبط إيقاع الشارع لمصلحة افضل علاقة لبنانية فلسطينية، علماً أنّ الرئيس محمود عباس سارع إلى إصدار بيان يدعو فيه إلى وقف التحركات في الشارع والعودة إلى الحوار"، وأن موفده أكد ضرورة الالتزام بالقوانين...لكن جميعنا يدرك طبعاً أن هناك جهات لها مصلحة فيما يحصل على الأرض."

الأهم برأي الصائغ "أن تحسم الدولة اللبنانية خيارها وتحدد من الذي يتولى إدارة الحوار اللبناني- الفلسطيني. هل هي الحكومة أم مجلس النواب ام مرجعيات حزبية؟". ويختم قائلاً:"أعتقد أن لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني هي المؤهلة للقيام بهذا الدور. فكما أدارت حوارا لبنانيا- لبنانيا، يمكنها أن تدير حوارا فلسطينيا - فلسطينيا هادئا، ومن ثم حوارا لبنانيا - فلسطينيا يصل فيه الطرفان إلى نتائج واضحة تحترم سيادة لبنان من جهة وكرامة اللاجئين من جهة أخرى، على أن تعمل دبلوماسياً على حق العودة".

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى