يمتلك نظام التوظيف عن بعد مزايا حقيقية جعلت عدد الشركات التي تعتمد عليه آخذة في الازدياد بشكل مستمر، وفي ظل انتشار فيروس كورونا أعلنت العديد من الشركات الكبرى مثل: آبل ومايكروسوفت وجوجل، تبنيها نظام العمل عن بعد لتحافظ على صحة موظفيها، وتضمن استمرارية وتيرة العمل بالشكل المناسب.
لم تكن المنطقة العربية بعيدة عن ذلك هي الأخرى، إذ طلبت العديد من الشركات وحتى الحكومات العربية من موظفيها العمل من المنزل، وهذا ليس بجديد، إذ توجد نماذج عربية للعديد من الشركات التقنية الناشئة التي تعتمد على التوظيف عن بعد من خلال منصات التوظيف، مثل موقع (بعيد)، الذي يساعد أصحاب الأعمال على تطوير أعمالهم، وتجاوز الحواجز الجغرافية لاستقطاب أفضل الكفاءات للعمل عن بعد، إلى جانب إعداد أدلة متكاملة تساعد الشركات على الانتقال للتوظيف عن بعد مثل: دليل العمل عن بعد، والدليل الشامل في التوظيف عن بعد.
لكن أثارت الأحداث الراهنة، وقرار العديد من الشركات التقليدية الكبيرة والناشئة، اعتماد نموذج التوظيف عن بعد، النقاش حول إمكانية الاستمرار في تبني هذا النظام بشكل دائم حتى بعد مرور أزمة كورونا، وذلك بفضل المزايا المتعددة التي يتفرّد بتوفيرها نظام العمل عن بعد للشركات، ومنها:
زيادة الإنتاجية والانخراط في العمل:
الآن، لم يعد يخفى على أحد أن العمل عن بعد يتفوق بمراحل على العمل التقليدي عندما يتعلق الأمر بالإنتاجية، ففي دراسة أجريت لقياس أثر العمل عن بعد على الإنتاجية، عُرض على موظفي خدمة العملاء بوكالة السفر الصينية (سي تريب) العمل من المنزل بشكل دائم، وكشفت النتائج أن عمل الموظفين عن بعد قد أدى إلى زيادة إنتاجيتهم بنسبة 22%، وعزى الباحثون هذه الزيادة في معدلات الإنتاجية إلى ارتفاع قدرة الموظفين على الإنجاز بفضل عملهم في بيئة هادئة، إلى جانب عملهم لعدد ساعات أطول مما كانوا يعملون في مقر العمل.
موضوعات ذات صلة بما تقرأ الآن:
رغم ذلك يعتقد بعض أصحاب الشركات أن العمل من المنزل قد يعني غياب الرقابة التي تفرض على الموظف أداء عمله، لكن المزايا التي يوفرها العمل عن بعد للموظفين، بما فيها الحرية والمرونة تجعلهم أكثر تصميمًا على إنجاح التجربة، عبر العمل في أوقات إضافية ليلًا أو خلال عطلة نهاية الأسبوع، فضلًا عن كونهم أقل عرضة لطلب الإجازات وأكثر قدرة على إنجاز المزيد في وقت أقل.
التكلفة المنخفضة:
تعد التكلفة المنخفضة هي عامل الجذب الأساسي الذي يدفع الكثير من الشركات الكبرى والناشئة إلى اعتماد نظام التوظيف عن بعد بشكل كامل؛ لأن العمل عن بعد يعني توفير طيف واسع من النفقات، فلن تدفع تكاليف باهظة لاستئجار مقر العمل، أو تجهيز مساحات مكتبية واسعة للموظفين، ولن تتحمل نفقات شراء حواسيب شخصية للعمل، أو حتى تكاليف انتقالات الموظفين من العمل وإليه.
يؤكد ذلك تقرير تحليلات أماكن العمل العالمية الذي يشير إلى أن الشركات يمكنها توفير ما يصل إلى 11 ألف دولار أمريكي للفرد سنويًا من خلال السماح له بالعمل من المنزل.
أما بالنسبة للشركات الكبيرة التي لديها ألف موظف أو أكثر، يمكن أن تكون المدخرات بالملايين، لذا، وفي ظل محدودية ميزانية معظم الشركات الناشئة وحاجتها لادخار كل دولار، سيؤدي تبني أسلوب التوظيف عن بعد إلى توفير الكثير من التكاليف العامة والنفقات.
السعادة والرضا الوظيفي:
الأمر الأكثر أهمية من توظيف فردٍ موهوبٍ في عمله، هو أن يكون لديه الشغف بما يفعل، لكي يشعر بالسعادة والرضا الوظيفي، ويمنحك أفضل أداء ممكن في الوقت نفسه.
وعندما يتعلق الأمر بالسعادة الوظيفية فلا مجال للمقارنة بين نظام التوظيف عن بعد الذي يتمكّن فيه الموظف من العمل من منزله أو من أي مكان آخر، وفقًا لاختياره، وبين نظام العمل التقليدي الذي يجبر الموظفين على الذهاب إلى مقر العمل يوميًا.
لا يوجد أمر يدعو للتعجب في ذلك، فإلى جانب المزايا المتعددة التي يقدمها العمل من المنزل للموظفين، بداية من المرونة وليس انتهاءً بالقدرة على التوازن بين مسؤوليات العمل والحياة الشخصية، فإنه يوفر في المتوسط ما يتراوح بين ساعة وثلاث ساعات يوميًا، يقضيها الموظف العادي الذي يعمل من المكتب في التنقل بين المنزل ومقر العمل.
قلّة التشتت:
رغم أن نظام العمل التقليدي من المكتب يُفتَرض أن يوفر بيئة عمل آمنة أقل تشتتًا بالنسبة للموظفين، إلا أن هذا عكس ما يحدث تمامًا، إذ يرى كثير من الموظفين أن ظروف العمل من المكتب عادة ما تكون أكثر تشتيتًا بسبب مقاطعات الزملاء والأحاديث الجانبية والنقاشات، التي تستنزف الوقت والطاقة النفسية للموظفين.
لكن على نقيض الفكرة الخاطئة التي تشير إلى أن العمل من المنزل يوفر أجواء عمل أقل تركيزًا من العمل من المكتب، فإن العاملين عن بعد يرون أنهم أكثر إنتاجية بسبب ابتعادهم عن مشتتات بيئة العمل التقليدية؛ لأن بيئة العمل عن بُعد تمكنهم من تلافي المشتتات المختلفة من خلال اختيار مكان مناسب مخصص للعمل.
الشغف بالتعلّم والتطوّر:
يجذب العمل عن بعد الكفاءات التي تبحث عن أساليب العمل الذكية التي لا تهدر الوقت والمال، وتحقق التوازن بين العمل والحياة، لذلك عادة ما يكون العاملون عن بعد أكثر مهارة من أقرانهم الذين يعملون من المكتب، وبالتالي لديهم استعداد أعلى للتعلم والتميُّز في مجال عملهم؛ لأنهم يعلمون جيدًا أنهم يتنافسون مع قاعدة مواهب عالمية، مما يجعلهم أكثر نهمًا للتعلم والتطوّر المستمر.
ورغم ذلك، لا تقتصر مزايا التوظيف عن بعد على الإنتاجية وقلة التكاليف وانعدام التشتت وحسب، لكنه يسمح للشركات بالوصول إلى أفضل الموظفين من ذوي الكفاءات في جميع أنحاء العالم دون تقيد بالحدود الجغرافية أو المكانية، التي يفرضها نظام العمل التقليدي من مقر العمل، مما يمنح الشركات القدرة على المنافسة مع الشركات العالمية.