هل أرسلت تركيا 7 آلاف سوري إلى أوكرانيا لمحاربة الروس؟

هل أرسلت تركيا 7 آلاف سوري إلى أوكرانيا لمحاربة الروس؟
هل أرسلت تركيا 7 آلاف سوري إلى أوكرانيا لمحاربة الروس؟

كتب عماد الشدياق في أساس ميديا:

العلاقة بين روسيا وتركيا آيلة إلى مزيد من التعقيد. لكنّ هذه المرّة، يأتي التعقيد من البوابة السورية – الأوكرانية. قد يسأل سائلٌ: ما العلاقة بين هذين الملفّين؟ جواب بسيط: إنّهم المرتزقة السوريّون الذين تُعدُّهم تركيا وتُرسلهم إلى منطقتيْ دانيتسك ولوغانسك الانفصاليّتين لمساندة أوكرانيا في مواجهة روسيا.

هذا التطوّر يُعدّ شأناً بالغ الأهمية والخطورة على خط الخلاف الروسي - التركي المستجدّ، خصوصاً بعد ما كشفه "أساس" قبل نحو أسبوع عن بداية تحسّس روسيّ من السلوك التركي في جمهوريات روسيا المسلمة، بواسطة رئاسة الشؤون الدينية التركية "ديانِت". ويضاف إلى ما ذُكر أعلاه قرارُ تمديد وقف الرحلات الجويّة الروسية إلى تركيا، الذي يؤكّد مراقبون أنّه بسبب التقارب التركي مع أوكرانيا.

كشفت لـ"أساس" مصادر رسمية واسعة الاطّلاع على تعقيدات الملفّ السوري والتحرّكات الميدانية، أنّ اجتماعاً بين وحدات الاستخبارات الأوكرانية ونظيرتها التركية، عُقد قبل أشهر في محافظة إدلب، بمشاركة ممثّلين عن المعارضة السورية المسلّحة، وقد اتُّخذ قرار يقضي بالبدء بتجنيد مجموعات من المقاتلين السوريين، لإشراكهم في القتال إلى جانب المتطوّعين الأوكران جنوب شرق البلاد، من أجل حماية الحدود الأوكرانية والتصدّي للانفصاليّين المدعومين من القوات الروسية.

وبحسب مصادر رسمية في موسكو، فإنّ السلطات التركية قامت مطلع شهر نيسان الفائت، بـ"تكليف مدرّبين من القوات الخاصة التركية تشكيل مجموعات مسلّحة موالية لأنقرة في المحافظة السورية، وتجنيد العناصر وتدريبهم وتجهيزهم"، وذلك استعداداً لنقلهم إلى أوكرانيا.

تفيد المعلومات أيضاً أنّ "الأولوية التركيّة تُعطى إلى المقاتلين الأكثر تدريباً وخبرة" في القتال، وإلى "ذوي الصفات الأخلاقية والإرادات الصلبة والأسس الدينية ذات التوجّه الجهادي". وتكشف أنّ من بين شروط القبول "موافقة المقاتلين الطوعية على المشاركة في القتال على أراضي دولٍ كانت سابقاً ضمن دول الاتحاد السوفياتي".

ومن الجماعات السورية المسلّحة، التي تُنسّق معها الاستخبارات التركية، "جيش الإسلام" و"الجيش الوطني"، الذي كان يُعرف سابقاً باسم "الجيش السوري الحرّ"، إضافة إلى جماعات أخرى. وقد اختير، حتى الآن، ما يصل إلى نحو 2000 عنصر من هذه التنظيمات، من خلال حملات تعبئة ودعاية.

ويُخطّط قادة الوحدات الخاصة التركية، الموكلة إليها هذه المهمة، لـ"إجراء تدريبات عسكرية تكتيكية، من أجل فرز المرشحين وتشكيل الوحدات وجعلها جاهزة"، مع توافر معلومات تفيد أنّ أولئك الذين يرغبون في المغادرة إلى إقليم دونباس الأوكراني الانفصالي، "ستكون لديهم فرصة من أجل توقيع عقد مدّته 6 أشهر، مع مكافأة مالية قد تصل إلى نحو 3500 دولار أميركي شهرياً". ومن المقرّر أن تضمّ الدفعة الأولى من هؤلاء المقاتلين ما يصل إلى 7 آلاف مقاتل.

وفي الوقت نفسه، تشيع معلومات عن مجموعات مغلقة على مواقع التواصل الاجتماعي تنشط لـ"تجنيد سوريين إضافيين ضمن هذه الوحدات". وتكشف هذه المعلومات أنّ "هذه المجموعات باتت تضمّ أكثر من 5000 متابع (followers)"، وأنّ "450 مشاركاً يطلب إيضاحات حول عمليات الانضمام إلى التشكيلات المسلّحة المقابلة".

وأضافت المعلومات أنّ "القوات الخاصة التركية بدأت بنقل المجموعات الأولى من المسلّحين من منطقة خفض التصعيد في محافظة إدلب السورية إلى أوكرانيا عبر أراضي دول ثالثة، مع تشكيل وحدات قتالية جديدة لاستخدامها إلى جانب القوات المسلحة الأوكرانية المدعومة من الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، في مواجهة التوتّر المتزايد على خط التماس مع دانيتسك وجمهوريات لوغانسك الشعبية".

حاول "أساس" التواصل مع مستشار رئيس "حزب العدالة والتنمية" التركي الدكتور ياسين آقطاي، من أجل الوقوف على رأي الحزب الحاكم بتركيا في هذه المعلومات، ومن أجل منح الجانب التركي الفرصة للتوضيح، لكنّنا لم نفلح في التواصل معه على الرغم من تأكّدنا من تبلّغه رسالة "أساس"، واطّلاعه على الأسئلة والمعلومات التي أوردناها ضمن الرسالة عبر "واتساب".

إذاً هو قرار خطير يتّخذه الأتراك، وقد يدفع بهم صوب "تفجير" العلاقات مع الحليفة روسيا، لكن ما هو الأمر المستجدّ الذي طرأ في هذا التوقيت بالذات؟

قد تكون الإجابة عن هذا السؤال موجودة في جعبة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي بات يستعجل استرضاء الإدارة الأميركية الجديدة، فيتّخذ الخطوة تلو الأخرى تجاهها، إن كان بدعم الأوكرانيين بالمرتزقة، وإن من خلال تغيير قواعد الاشتباك البحري في البحر... وكلّه يصبّ في الهدف نفسه: أي إلى السعي لكسب ودّ الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي لم يُظهر أيّ تساهل مع أردوغان في ملفّات كثيرة منذ وصوله إلى البيت الأبيض.

ومن بين هذه الملفّات تقرّب أنقرة من الروس عبر صفقة صواريخ "إس إس 400" الروسية (وزير الخارجية التركي أعلن أنّ أنقرة سترسل الخبراء الروس إلى بلادهم في بادرة حسن نية تجاه واشنطن)، وتحدّيه لقدرات حلف شمالي الأطلسي (الناتو) في مقابل المزيد من التباعد مع الأوروبيين، ومروراً بملفّ الملاحة البحرية، ثمّ وصولاً إلى ملفّات حقوق الإنسان في تركيا، وملفّات متشعّبة إضافية أخرى.

ويكشف مراقبون أنّ واشنطن تواجه معضلة تخصّ قدرتها على إيصال الدعم إلى أوكرانيا التي لا تنفذ على البحر إلا من خلال البحر الأسود ومضيق البوسفور المقيّد باتفاق "مونترو" الموقّع عام 1936، والذي ينظّم الملاحة في البحر الأسود، ويفرض قيوداً على حمولة الآليات والأسلحة والعتاد التي تمرّ منه إلى بحر مرمرة أو العكس.

ويبدو أنّ أردوغان يحاول استمالة واشنطن من خلال الملفّ الأوكراني، بعد سلسلة ضغوطات، كان آخرها إعلان 104 أدميرالات بحريين أتراك، قبل نحو شهر، رفضهم المسّ باتفاق "مونترو"، عشيّة الحديث عن شقّ قناة موازية في إسطنبول، معتبرين أنّ "مونترو حمى حقوق تركيا، وأكسبها سيادة تامّة على أراضيها، وهو يمنع اليوم دخول أنقرة في حروب لا تريدها إلى جانب أيّ طرف من الأطراف المتحاربة".

لكنّ "حزب العدالة والتنمية" رفض إعلان الأدميرالات، ووضعه في إطار توجيه الرسائل الخارجية، في معرض التذكير بتجربة الانقلابات العسكرية. ويرى مراقبون أتراك، ومنهم الكاتبة سيفيل إسماعيلوف التي كتبت مقالاً في هذا الشأن بصحيفة "ستار" التركية، أنّ واشنطن ترغب باستغلال أوكرانيا لتصفية حساباتها مع روسيا. ولهذا تطلب من الدول الأوروبية الموافقة على مساندتها في ذلك، إلاّ أنّ الأوروبيين لم يبدوا حماسة لتأجيج الصراع مع موسكو، بسبب تعقيدات المصالح مع الجانب الروسي.
أمّا أردوغان فأعلن، قبل أيام، أنّه سيوضع حجر الأساس لـ"قناة إسطنبول" هذا الشهر، وهو ما بدا موافقةً على السير بالخطة الأميركية والإذعان لضغوطها، خصوصاً أنّ المشروع ليس جديداً أبداً (أُعلِن للمرّة الأولى عام 2011)، وكان يؤجّل لأسباب غير واضحة. فضلاً عن أنّ هذا المشروع، كان على الدوام محطّ معارضة روسيا ورفضها التفسير التركي لشروط اتفاق "مونترو" الأصلي، فهل وقع الشرخ بين موسكو وأنقرة استرضاءً لواشنطن؟

... الأسابيع المقبلة ستتكفّل بالإجابة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى بريكس: “العائلة” الصّينيّة… و”الجسر” الرّوسيّ