كتب عماد الشدياق نقلاً في "عربي 21":
يبدو أنّ روسيا تتوجّه إلى شطب جنسية بعض من رعاياها، الذين فروا من البلاد قاصدين الدول الغربية مع بداية الحرب الروسية- الأوكرانية، نهاية شهر شباط/ فبراير الفائت.
مقاربة وسائل الإعلامية الروسية لهذا الملف، تُظهر أنّ عملية التعبئة التي تقوم بها إزاء الرأي العام الروسي، ستقود إلى هذا المسار الذي بدأ ينحو منحىً تصاعدياً بعد اقترابنا من السنوية الأولى لبدء الحرب في أوكرانيا.
وسائل الإعلام الروسية بدأت منذ مدة تروّج لضرورة الاعتراف بأنّ "من غادروا الأراضي الروسية خلال فترات الحساسة التي تؤدي إلى تغيرات جيوسياسية حول العالم، هم بمصاف الهاربين"، وبالتالي قد يكون ذلك كلّه تمهيداً لشطب جنسيتهم، ورفض دخولهم أراضي الاتحاد الروسي بشكل نهائي في المستقبل.
ولا يُعرف كم هو عدد الفارين من الداخل الروسي منذ بدء الحرب، لكنّ وسائل الاعلام الروسية تقدّر أعدادهم منذ شهر تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، بنحو 700 ألف مواطن روسي، من بينهم عدد غير قليل من الشخصيات المعروفة في الداخل الروسي ضمن عالم الفن والثقافة، ومن بينهم أيضاً بعض المؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي، ويبدو أنّ هؤلاء من سيطالهم إجراء سحب الجنسية.
وقد أعطت موسكو إشارات عميقة ومعبّرة عن هذا المسار التصاعدي قبل أيام، من خلال الإعلان عن التحضير لرفع الضرائب على كل من غادر الأراضي الروسية بسبب الحرب في أوكرانيا. ومن بين تلك الإشارات ما كشف عنه رئيس مجلس النواب الروسي (الدوما) فياتشيسلاف فولودين قبل أيام، إذ قال إنّ المجلس يُعدّ تشريعاً يقضي بزيادة الضرائب على هؤلاء.
وكتب فولودين على صفحته في تطبيق "تلغرام" الروسي: "من الصواب أن نلغي الامتيازات التي يحظى بها من غادروا روسيا الاتحادية، وفرض ضريبة أعلى عليهم. نعمل على التغييرات المناسبة من أجل سنّ هذا التشريع".
وأضاف فولودين مبرراً لمن عادوا إلى الأراضي الروسية مؤخراً بعد ترك البلاد: "يمكن أن نتفهم تماماً سبب فرار هؤلاء، ومن أدرك خطأه عاد بالفعل، لكنّ من بقوا خارج الأراضي الروسية عليهم أن يدركوا أنّ الأغلبية العظمى من المجتمع الروسي لا تؤيد أفعالهم وتؤمن بأنّ هؤلاء خانوا وطنهم وأقاربهم وأصدقاءهم".
وتبلغ نسبة ضريبة الدخل في روسيا 13 في المئة، تُحسم بشكل تلقائي من الموظفين المحليين، لكن الروس الذين يعملون خارج البلاد ولديهم التزامات ضريبية، يتعيّن دفعها بشكل مستقل لهيئة الضرائب الاتحادية الروسية.
وتوجه سحب الجنسية لن يطال جميع الرعايا الروس وإنّما الشخصيات المعروفة تحديداً، كما أنه لن يكون من باب التهويل الإعلامي فحسب، وإنّما تتحضّر موسكو بالفعل لاكتساب هذا التوجّه "شكلاً تشريعياً" في المستقبل، إضافة إلى خطوة رفع الضرائب التي أعلن عنها مؤخراً، وذلك من خلال تحويل هذا المطلب إلى قانون يُشرّع داخل الدوما الروسي أيضاً، ويراعي ما تعتبره السلطات الروسية "حقائق قائمة".
ومن بين تلك الحقائق، تعتبر السلطات في موسكو أنّ مع بداية العملية العسكرية الهادفة إلى "نزع سلاح أوكرانيا"، غادر العديد من الشخصيات الروسية المعروفة، وتحديداً من صفوف المشاهير في مجال الفنّ والثقافة وغيرها من المجالات. مغادرة هؤلاء عُللّت في حينه بأسباب مختلفة، مثل الحاجة إلى العلاج في الدول الغربية، أو بهدف زيارة الأصدقاء والأقارب في الخارج، أو بدافع السياحية.
وترى موسكو أنّ استخدام هذه الأسباب والحجج كانت "غير صحيحة"، وإنّما هي أسباب "وهمية"، الهدف منها إخفاء الاهتمامات الحقيقية لهؤلاء (أغلبها تجاري) عن عموم الجمهور الروسي، وأنّ الخروج العاجل لجميع "الهاربين"، تزامن مع مواعيد الإجازات والعطل المدرسية والجامعية لأبنائهم، بل إنّ بعض الشخصيات الثقافية والفنية، تحجّجت بضرورة تلقيها رعاية طبية طارئة في الخارج.
أمّا السبب الحقيقي لفرار هؤلاء، فدافعه في نظر موسكو الخوف من مصادرة ممتلكاتهم في الخارج وتجميد حساباتهم المصرفية، على خلفية حزم العقوبات التي فرضتها الدول الغربية ضد الدولة الروسية والرعايا الروس.
وبالإضافة إلى ذلك، تعتبر موسكو أنّ هؤلاء باتوا يقدمون أنفسهم للدول الغربية التي لجأوا إليها، على أنّهم "معارضون" لسلطات بلادهم، فيحاولون من خلال ذلك إظهار عدم موافقتهم على السياسة الخارجية التي ينتهجها الاتحاد الروسي، وذلك على أمل أن تكون تلك المواقف في صالحهم، فتعفيهم من أيّ عقوبات أو إجراءات تعسفية غربية بحقهم، على غرار ما حصل مع عدد من الأغنياء الروسي المقرّبين من السلطات الروسية.
أمّا في الداخل الروسي، فيبرّر هؤلاء لجمهورهم وللسلطات الروسية عملية الخروج من البلاد بأنّها "مؤقتة"، ويضعونها في خانة "الضرورات القصوى"، على أمل أنّ تكون عودتهم المستقبلية سريعة.
لكن يبدو أنّ الأمور بين روسيا والدول الغربية وصلت إلى نقطة اللا عودة، وبالتالي فإنّ هؤلاء الهاربين سيكونون أول من يدفع الثمن بخسارة جنسيتهم الروسية.