ليلة رعب في أفخم فنادق أفغانستان.. 'طيّار' يروي التفاصيل!

ليلة رعب في أفخم فنادق أفغانستان.. 'طيّار' يروي التفاصيل!
ليلة رعب في أفخم فنادق أفغانستان.. 'طيّار' يروي التفاصيل!
يسرد الطيار اليوناني، فاسيليوس فاسيليو، لإذاعة الـ"BBC"، الساعات العصيبة التي قضاها داخل غرفته في فندق الإنتركونتننتال، الذي هاجمه مقاتلي طالبان في 20 كانون الثاني 2019.
وكان هذا الحادث قد أودى بحياة أكثر من 40 شخصاً، فيما تبادلت فيه القوات الدولية و"طالبان" إطلاق النار.

يقول فاسيليو، للإذاعة البريطانية: "قررت في تلك الليلة تناول العشاء عند الساعة السادسة مساءً مع صديقي الطيار، وهي تعد المرة الأولى التي أتناول فيها العشاء في مثل هذا الوقت، وفي نحو السابعة والنصف صعدت إلى غرفتي".

رحلة الطيار مع الرعب بدأت عند في الساعة 8:47، حيث كان في غرفته التي تحمل رقم 522، ففي تلك اللحظة "سمعت انفجاراً ضخماً في الردهة، خرجت إلى الشرفة، ورأيت رجلاً مضرجاً بالدم، واستطعت سماع صوت إطلاق النار القادم من داخل الفندق وخارجه. وأدركت مدى حظي، إذ لم أكن بالمطعم في هذه اللحظة".

يتابع فاسيليو: "تركت باب الشرفة مفتوحاً وأحكمت إغلاق باب غرفتي. كان هناك سريران في الجناح الذي كنت أنزل فيه، لذا فقد أخذت إحدى المراتب ووضعتها في مواجهة الباب لحماية نفسي من القنابل اليدوية، ثم جمعت بعض ملاءات السرير، والمناشف والملابس وصنعت حبلاً يمكنني استخدامه للوصول إلى الدور الرابع إذا ما تطلب الأمر. استفدت من خبرتي وأني طيارٌ ومدربٌ. بعد ذلك بدأت في التفكير فيما سأفعله بعد ذلك. لم تكن لدي أي فكرة عن عدد المهاجمين من مقاتلي طالبان أو مكانهم ، ولم يكن القفز من الدور الخامس تصرفاً حكيماً، فقررت البقاء في الداخل وعمل ما يمكن لحماية نفسي. جعلت السرير ذي المرتبة يبدو غير مرتب بعض الشيء، والسرير الآخر، الذي أزلت المرتبة من فوقه، يبدو مرتباً. أطفأت النور وقررت الاختباء خلف الستائر الثقيلة والأثاث في الظلام".

أضاف فاسيليو: "مرت نحو ساعة ونصف الساعة، وعلى الرغم من أنني لم أعرف ذلك حينها، فقد كان المهاجمون من مقاتلي طالبان قد قتلوا بالفعل جميع الموجودين في الردهة والمطعم والطابقين الأول والثاني بالفندق. وسارعوا إلى الطابقين الثالث والرابع وصولاً إلى الطابق الخامس، وكان بإمكاني سماعهم يجرون على السطح فوق رأسي، حيث كانوا يتدبرون أمر إبعاد المروحيات التابعة للقوات الدولية. سمعت صوت إطلاق النار في الرواق القريب، وفجأة انقطعت الكهرباء تماماً في الفندق. كانت الغرفة الأولى التي دخلها المهاجمون في الدور الخامس هي تلك التي تحمل رقم 521، وكانت المجاورة لغرفتي، وأصبحت فيما بعدُ مركز عمليات مقاتلي طالبان طوال فترة الحصار التي استمرت الليل كله".

أزمة الطيار في تلك الليلة تتابعت، فيقول: "سمعت إطلاق النار على باب غرفتي، نزلت على الأرض، وذهبت تحت السرير الذي كان ما يزال محتفظاً بمرتبته؛ في محاولة لحماية نفسي. كنت أمسك هذا السرير بقبضتي وأطراف أصابع قدمي، لتدعيم وزن السرير. أطلقوا النار على القفل مباشرة، وضربوا الباب بمطرقة ثقيلة، ثم دخل أربعة رجال إلى غرفتي. جرى أحدهم مباشرة إلى الشرفة، لأنهم رأوا بابها مفتوحاً. سمعت صوت إطلاق نار من مسدس، كانت طلقة واحدة، واعتقدت أنني -على الأرجح- سوف أموت في الثواني القليلة القادمة. فكرت في أُسرتي ووجوه أطفالي، واللحظات الجيدة والسيئة في حياتي. تُرك الباب مفتوحاً وكان المسلحون من مقاتلي طالبان يدخلون ويخرجون طول الوقت. ثم بدأوا في فتح أبواب أخرى بالدور الخامس. في الجهة المقابلة لي بالممر، كان يقطن مضيف جوي وبعض الطيارين الآخرين الذين كنت قد عملت معهم. أحياناً كنت أسمع صراخهم قبل إعدامهم. وأحياناً لم أكن أسمع شيئاً. أعتقد أنَّهم فتحوا كل باب من أبواب الدور الخامس وقتلوا كل من وجدوه. كنت أسمع الصراخ والرصاصة، كانت دائماً رصاصة واحدة فحسب، وبعد ذلك كانوا يقتحمون الباب التالي. كل مرة كانوا يضحكون بعدها، كأنَّهم كانوا يلعبون فحسب".

يضيف: "نحو الساعة الثالثة صباحاً، افتعلوا حريقاً كبيراً في الدور الخامس، ثم غادروا، لأنَّ الدخان كان كثيفاً. ولنحو 20 إلى 25 دقيقة، لم يكن ثمة أي إطلاق نار، لذا قررت الخروج من تحت السرير. عندما خرجت أدركت أنَّه في حين كنت مختبئاً أسفل أحد السريرين، أطلق المسلحون النار على السرير الآخر ثم رفعوا قاعدته الخشبية، ليروا إذا ما كان أحدهم مختبئاً هناك. قلت لنفسي: «هذه هي المرة الثانية التي أنجو فيها بحياتي اليوم»،. بدأ بعض الدخان في الدخول إلى غرفتي. كان عليّ أن أفعل شيئاً، لذا فقد خرجت إلى الشرفة. كان بإمكاني رؤية النار من الجانب الأيسر، وكانت النيران كثيفة، وأدركت أنَّها لو وصلت غرفتي فلن أنجو. رأيت بعض أسلاك التلفاز متدلية من السقف وتتجه مباشرة إلى الأرض. مددت يدي لجذبها، لمعرفة إذا ما كانت ستتحمل وزني، وإذا ما كان بإمكاني استخدامها للنزول، لكنني في تلك اللحظة سمعت صوت طلقات مرت بجانبي مباشرة. إحدى هذه الرصاصات مرت على بُعد نحو 20 سنتيمتراً من كتفي اليسرى، والأخرى على بُعد نصف متر مني. تركت الرصاصتان ثقبين في زجاج النافذة خلفي مباشرة. كان ذلك -على الأرجح- أحد قناصي القوات الدولية رآني عبر كاميرات الرؤية الليلية خارجاً من الغرفة 522، وافترض أنني واحد من الأشرار. لا يخطئ القناصون أبداً من هذه المسافة، لكن في الجزء من الثانية الذي أطلقوا فيه النار كنت قد حركت جسدي للإمساك بالسلك، وهكذا أخطأتني الرصاصة".

يتابع الطيّار: "في اللحظة التي كنت فيها داخل السرير تقريباً، كانوا قد عادوا. دخل أحدهم وجلس على السرير الذي كنت بداخله. كان بإمكاني رؤية رِجليه، وكان يعطي الأوامر للرجال الآخرين، ويخبرهم ماذا يفعلون. وبعد ذلك دخل الحمام، ثم خرج إلى الشرفة وأطلق عدداً من مخازن سلاح AK-47".

يسرد الطيّار: "في وقت مبكر من صباح اليوم التالي، بدأت القوات الدولية في إطلاق النار من دبابة باتجاه الغرف. ركزوا على الغرفة رقم 521 المجاورة لغرفتي، لكنهم أيضاً أطلقوا النار صوب بعض الغرف الأخرى، لأنَّ المسلحين كانوا يتحركون ويطلقون النار عليهم من أماكن أخرى أيضاً. في كل مرة كانت البنادق الثقيلة المثبتة على الدبابة تطلق النار كان الفندق بأكمله يهتز. وقد رأيت لاحقاً الضرر الذي أحدثوه إذ استحال جميع الأثاث إلى رماد وانفتحت ثقوب في الأسقف. بدأت جولة ثانية من إطلاق النار في حوالي الساعة السادسة صباحاً، خارج غرفتي مباشرة. كنت قد سمعت الرجال وهم يجمعون بعض الملابس من خزانتي، ثم أخذوا السجاجيد وصبوا الكثير من وقود الديزل عليها. وأحرقوا غرفتهم أيضاً، تلك الغرفة رقم 521. كانت النيران قريبة منّي للغاية وعرفت أنني في هذا الدخان والحرارة الكثيفة سوف أتمكن من البقاء على قيد الحياة لنحو 15 إلى 20 دقيقة فحسب، ربما نصف ساعة بحد أقصى. كنت أتنفس من الأرضية، لأحصل على آخر كمية أكسجين من الهواء البارد الثقيل القادم إلى غرفتي من باب الشرفة المفتوح. لم تكن رائحة الدخان تشبه الرائحة المعتادة التي تشمها من نيران الخشب أو السجاد. لم تكن رائحة جيدة. كانت رائحة أجساد بشرية محترقة".

يضيف الطيّار: "لم يكن باستطاعتي سماع صوت أيّ شخص حولي، فقد قررت الخروج. لكن ما إن خرجت حتى سمعت صوت تحطم نوافذ. كان الصوت قادماً من الغرفة رقم 521، ثم بدأ الشيء ذاته في الحدوث في غرفتي وكان عليّ محاولة حماية نفسي بسرعة شديدة. كانت القوات الدولية بالخارج تطلق نفثات من المياه المضغوطة في الغرف لإطفاء النيران، وكانت هذه هي ما حطم النوافذ. وسرعان ما خمد الحريق لكنني كنت قد أصبحت منقوعاً في مياه باردة في غرفة بلا نوافذ أو أبواب، في ليلة باردة من ليالي كابول، عندما كانت درجة الحرارة في الخارج حوالي 3 درجات مئوية تحت الصفر. وهكذا فسوف أصاب قريباً بهبوط حاد في درجة الحرارة. في الساعة 9:25 صباحاً سمعت صوت إطلاق نار من آخر الرواق القريب من المصاعد، بدا صوت النار مختلفاً، لذا فقد خمنت أنَّ هذه لا بد أنَّها القوات الدولية. كان أحد المسلحين في الغرفة رقم 521 يرد على إطلاق النار هذا ببندقية كلاشنكوف. كانت القوات الدولية، بين الساعة 9:30 حتى الساعة 11:15، تطلق قنابل يدوية كثيرة، وكنت أسمع هذه القنابل وهي تتدحرج على الأرض. أحياناً كانت القنابل تستقر في الغرفة 521 وأحياناً كانت تنفجر خارج الباب المفتوح لغرفتي. وما تزال لديَّ حقيبة سفر انبعجت بفعل واحدة من هذه القنابل اليدوية، وقد احتفظت بها لتكون تذكاراً".

يتابع الطيّار: "بحلول الساعة 11:30 تقريباً، بدا أنَّ مسلحاً واحداً فحسب لا يزال بالقرب منّي، وهو أحد مقاتلي طالبان الذي كان موجوداً في الغرفة 521. سمعت أصوات النار التي كان يطلقها تتحول من الكلاشنكوف إلى المسدس. كانت ذخيرته قد نفدت. ثم حاول إشعال نار جديدة باستخدام موقد لحام، لكنه سرعان ما نفد منه الغاز. كنت متحمساً للغاية ويغمرني الأدرينالين إلى درجة أنني وضعت يدي على فمي تحسباً لاستغراقي في الضحك. لكن أحد مقاتلي طالبان اختفى بعد بضع دقائق. كنت متعباً للغاية؛ إذ كان عليّ أن أسافر بالطائرة في وقت متأخر من الليلة السابقة قبل أن يبدأ كل هذا، ثم لم أنم اليوم أو الليلة السابقين، لذا فقد كنت مستيقظاً لأكثر من 35 أو 40 ساعة. بعد ذلك بوقت قصير بدأت في سماع ضوضاء أخرى وأشخاص يسيرون باتجاه غرفتي، لكنني لم أستطع رؤية إذا ما كانوا أشراراً أو طيبين. وحوالي الساعة 11:40، نادى شخص ما قائلاً: «شرطة.. شرطة!» بلكنة أفغانية، لكنني قررت عدم الخروج. ثم بعد 10 أو 20 ثانية سمعت أشخاصاً يتحدثون بلكنة إنجليزية يصرخون أيضاً: «شرطة!» وكنت سعيداً للغاية لدرجة أنني بدأت في الصراخ والخروج زحفاً من تحت السرير. كان من الصعب الخروج وكنت بالكاد أستطيع التنفس، إذ كان صدري يؤلمني كثيراً من بقائي داخل السرير، في موضع واحد لفترة طويلة. كنت مسوداً من الدخان، لذا فلم يتمكنوا من رؤية وجهي وكان جنود الكوماندوز الأربعة يصرخون: «ابق منبطحاً.. ابق منبطحاً» بينما كانوا يصوّبون بنادقهم تجاهي. همس أحدهم: «لا بد أنَّه شبح!». كنت متجمداً من البرد، لكنني نجحت في أن أقول: «أنا طيار من شركة طيران Kam. رجاءً، لا تطلقوا النار»".

وختم الطيار: "لم يستطيعوا تصديق ما كانوا يرونه. سألوني كم ساعة بقيت هناك. قلت لهم إنني بقيت هناك الوقت بأكمله. نظروا إلى السرير وسألوني كيف تمكنت من البقاء على قيد الحياة؟. كنت آخر من خرج من الفندق؛ إذ كانوا قد أخذوا جميع الناجين إلى القاعدة البريطانية في كابول. ولما رأيت زميلي مايكل هناك كنت سعيداً للغاية. لم أصدق ذلك. ولم أعرف إذا ما كان عليّ أن أضحك أو أبكي. لكن كان ثمة مشاعر مختلطة. كنا قد فقدنا الكثير من الأصدقاء، الكثير من الناس الذين اعتدنا العمل معهم، من طيارين، وموظفين تنفيذيين ومهندسين. كانت وزارة الخارجية قد أخبرت أسرتي أنَّهم أخلوا جميع الناجين من الفندق، ولكنهم لم يجدوني، لذا فقد ظنت أسرتي أنني لم أنجُ. لا يمكنك تخيل سعادتهم عندما اتصلت بهم، بعد ذلك بثلاث أو أربع ساعات، لأخبرهم أنني على ما يرام".

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى القطب الشمالي: نزاع جديد تتفوق فيه موسكو على واشنطن