جاء في “المركزية”:
قبل أيام معدودة إسم جديد انطبع على لائحة ضحايا ثالث أكبر إنفجار في العالم… المهندس رامي فواز (48 عاما) والأب لطفلين الذي اسلم روحه للحقيقة المغيبة أيضا بعد عامين من الألم والمعاناة من جراء سقوط لوح زجاجي على رأسه حيث كان موجودا في تلك اللحظات المشؤومة في منطقة الأشرفية. وقد لا يتوقف العدّ على لائحة الضحايا عند الرقم 220 .
وحدها الدولة والمسؤولون فيها أعادوا تشغيل عقارب الساعة التي توقفت عند السادسة و7 دقائق من عصر ذاك الرابع من آب 2020 في مرفأ بيروت. بداية اعتقدوا أن الملف سيختم مع إقالة المحقق العدلي القاضي فادي صوان ولم يتوانوا عن تعطيل عمل المحقق الحالي القاضي طارق البيطار، كفوا يده عن الملف وما زالوا. وقبل أن يدفن الأحياء موتاهم، عنوان جديد يتصدر مواقع التواصل الإجتماعي “تشيلي تعتقل برتغاليًا مطلوبًا على خلفيّة انفجار مرفأ بيروت”… هل تتذكرون الإسم وحيثيات الدعوى؟
في التفاصيل، أعلنت الشرطة التشيلية أنها اعتقلت برتغاليا مطلوبًا من الإنتربول على خلفية انفجار مرفأ بيروت عام 2020 الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص. ووصل الرجل الذي لم يتم الكشف عن اسمه إلى سانتياغو على متن طائرة آتية من إسبانيا، قبل أن تتم إعادته على طائرة أخرى إلى مدريد، وفق بيان الشرطة. والرجل مطلوب بزعم إدخاله “مواد متفجرة” إلى لبنان مرتبطة بالانفجار الهائل الذي دمر أحياء عدة من العاصمة اللبنانية. وعلى رغم أهمية الخبر ومضمونه وتوقيته إلا أنه بقي على هامش أخبار البلد المأزومة ولم تتحرك الأجهزة القضائية المعنية بسبب استمرار كف يد القاضي البيطار.
المحامي من مكتب الإدعاء في نقابة المحامين يوسف لحود أوضح عبر “المركزية” “أن وفق ما ورد في الخبر لم يتم اعتقال الرجل الذي لم يرد إسمه ويدعى خوسيه موريرا من قبل الشرطة التشيلية إنما مُنع من دخول البلاد وتمت إعادته إلى مكان إقامته في إسبانيا” . ولفت إلى أن مذكرة التوقيف التي أصدرها المحقق العدلي السابق في جريمة المرفأ القاضي فادي صوان بحق موريرا جاءت على خلفية التحقيقات التي أظهرت أن الأخير وهو مدير الشركة الموزمبيقية التي استقدمت شحنة نيترات الأمونيوم الخاصة بأعمالها في موزمبيق زار مرفأ بيروت أوائل العام 2015 وكشف على البضاعة إلا أنه لم يطالب باستردادها وغادر الأراضي اللبنانية. وبناء على هذه الوقائع ارتأى القاضي صوان أنه من الأجدى الإدعاء على موريرا وأصدر مذكرة توقيف غيابية بحقه وتم تعميمها على جهاز الإنتربول الدولي”.
اللافت والمعيب بحسب المحامي لحود أنه خلال تولي القاضي صوان ملف التحقيق في جريمة تفجير المرفأ تم توقيف موريرا في البرتغال وطلبت السلطات البرتغالية منه مدها بالأدلة والمعطيات التي دفعته إلى إصدار مذكرة التوقيف بحق موريرا، إلا أنه لم تتم الإستجابة لطلبها ولم يتم استجوابه من قبل القاضي صوان أو من ينوب عنه. والمعيب أن مذكرة الإنتربول لا تزال سارية المفعول ومعممة على الأجهزة علما أن الدولة لم تطالب باسترداده ولم يتم التحقيق معه كما يفترض بحسب الأصول القانونية ولم يتم التعاون مع السلطات البرتغالية من خلال مدها بمعطيات عن الملف تتعلق بأسباب توقيفه”.
حادثة منع دخول البرتغالي الأراضي التشيلية وإعادته على متن طائرة عائدة إلى إسبانيا لا تقل أهمية عن عملية توقيفه الأولى. “فلو لم يكن هناك قرار بكف يد القاضي البيطار عن الملف لكان ارسل أدلة إلى السلطات البرتغالية أو أرسل من ينوب عنه لاستجوابه. من هنا بات من اللازم انتزاع ملف التحقيق من يد المجلس النيابي وحصره بالمجلس العدلي. أما أن يستمر الوضع على حاله فالأمور ما فيا تكمل على هذا النحو”.
بالتوازي تبقى عملية هدم الإهراءات محط تجاذب بين الحكومة التي أوكلت مهام هدمها حفاظا على السلامة العامة إلى مجلس الإنماء والإعمار وبين أهالي الضحايا الذين يصرون على عدم المس بها حتى صدور القرار الظني حفاظا على الأدلة المخفية الممكن أن تتظهر من مسرح الجريمة. وفي السياق يوضح لحود أن قرار الهدم يعود إلى قاضي التحقيق، فإذا ارتأى أنه لم تعد هناك ضرورة للإبقاء على مسرح الجريمة بعد مسح الأدلة يصار إلى هدمها لكن ثمة جدلية قائمة بين المصلحة العليا والمشاعر الإنسانية ويفترض تقييم الوضع على قاعدة التوازن بينهما من دون إعلاء الواحدة على الأخرى”. ويضيف لحود “المسؤولية تقع على عاتق الدولة بسلطتيها التشريعية والتنفيذية التي لم تستوعب حتى اللحظة مشاعر أهالي ضحايا المرفأ وتتصرف إنطلاقا من مصلحة ذاتية بدلا من أن تتعامل مع الملف بحكمة وكِبَر بما يختص ملف الجريمة . ولو كان التحقيق يسير وفق الأصول لما كانت هناك أسباب موجبة لدى اهالي الضحايا للإعتراض على عملية الهدم . لكن في ظل الجمود الحاصل بسبب كف يد البيطار سيبقى هناك شك بأن ثمة أدلة لا تزال موجودة في مسرح الجريمة”.
بداية خيوط الحل تنطلق من استكمال التشكيلات القضائية وأهمها الهيئة العامة لمحكمة التمييز عندها يعود ملف التحقيق في جريمة المرفأ إلى قواعده القضائية. أما على مستوى مذكرة التوقيف المعممة على الإنتربول فالقرار يعود للدول في حالات مماثلة منها إما تعتبرها غير قائمة اذا ما لمست عدم الجدية في تنفيذها أو تتمسك بها إنطلاقا من حرصها على مشاعر الجهة المدعية. فهل يبقى موريرا والمتهمون يسرحون ويمرحون على أنقاض وجع أهالي الضحايا؟